الاثنين، 9 أكتوبر 2017

عورة المرأة في بيتها

إعداد / الشيخ جمال الدين شبيب
شاع في بيوت كثير من المسلمين اليوم أن تكشف البنات اللواتي بلغن سن التكليف والأخوات أمام بعضهن في البيت وربما أمام الأب والإخوة الشباب ما أمر الله بستره.مرة بدافع التقليد الأعمى لما يشاهد في بعض المسلسلات ومرة بداعي الجهل أو التساهل فكان لا بد من البيان والتوضيح.
بداية ..من المقرر عند الفقهاء أن عورة المرأة مع المرأة هي ما بين السرة والركبة ، سواء كانت المرأة أما أو أختا أو أجنبية عنها ، فلا يحل لامرأة أن تنظر من أختها إلى ما بين السرة والركبة إلا عند الضرورة أو الحاجة الشديدة كالمداواة ونحوها .
وهذا لا يعني أن المرأة تجلس بين النساء كاشفة عن جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة ، فإن هذا لا تفعله إلا المتهتكات المستهترات ، أو الفاسقات الماجنات ، فلا ينبغي أن يساء فهم قول الفقهاء بأن عورة المرأة أمام مثيلاتها ( ما بين السرة والركبة)..فكبف بمن يجاوز هذا الحد في الكشف..
أما قول الفقهاء : " العورة ما بين السرة والركبة " فإن كلامهم ليس فيه أن هذا هو لباس المرأة ، الذي تداوم عليه ، وتظهر به بين أخواتها وقريناتها ، فإن هذا لا يقره عقل ، ولا تدعو إليه فطرة .
بل لباسها مع أخواتها وبنات جنسها ينبغي أن يكون ساترا سابغا ، يدل على حيائها ووقارها ، فلا يبدو منه إلا ما يظهر عند الشغل والخدمة ، كالرأس والعنق والذراعين والقدمين ، على نحو ما ذكرنا في مسألة المحارم .
وذكر أهل العلم أن عورة المرأة أمام محارمها كالأب والأخ وابن الأخ هي بدنها كله إلا ما يظهر غالبا كالوجه والشعر والرقبة والذراعين والقدمين ، قال الله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ) النور/31 .
فأباح الله تعالى للمرأة أن تبدي زينتها أمام بعلها ( زوجها ) ومحارمها ، والمقصود بالزينة مواضعها ، فالخاتم موضعه الكف ، والسوار موضعه الذراع ، والقرط موضعه الأذن ، والقلادة موضعها العنق والصدر ، والخلخال موضعه الساق .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في تفسيره : " ظاهره يقتضي إباحة إبداء الزينة للزوج ولمن ذكر معه من الآباء وغيرهم ، ومعلوم أن المراد موضع الزينة وهو الوجه واليد والذراع ...فاقتضى ذلك إباحة النظر للمذكورين في الآية إلى هذه المواضع ، وهي مواضع الزينة الباطنة ؛ لأنه خص في أول الآية إباحة الزينة الظاهرة للأجنبيين ، وأباح للزوج وذوي المحارم النظر إلى الزينة الباطنة . وروي عن ابن مسعود والزبير : القرط والقلادة والسوار والخلخال ...
وقد سوى في ذلك بين الزوج وبين من ذكر معه ، فاقتضى عمومه إباحة النظر إلى مواضع الزينة لهؤلاء المذكورين كما اقتضى إباحتها للزوج " انتهى .
وقال البغوي رحمه الله في تفسير: " قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) أي لا يظهرن زينتهن لغير محرم ، وأراد بها الزينة الخفية ، وهما زينتان خفية وظاهرة ، فالخفية : مثل الخلخال ، والخضاب في الرِّجْل ، والسوار في المعصم ، والقرط والقلائد ، فلا يجوز لها إظهارها ، ولا للأجنبي النظر إليها ، والمراد من الزينة موضع الزينة " انتهى .
وقال صاحب "كشاف القناع" (5/11) : " ولرجل أيضا نظر وجه ورقبة ويد وقدم ورأس وساق ذات محارمه . قال القاضي على هذه الرواية : يباح ما يظهر غالبا كالرأس واليدين إلى المرفقين " انتهى .
وهؤلاء المحارم متفاوتون في القرب وأمن الفتنة ، ولهذا تبدي المرأة لأبيها ما لا تبديه لولد زوجها، قال القرطبي رحمه الله : " لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنّى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر ، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها . وتختلف مراتب ما يُبدى لهم ، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج " انتهى .
نسأل الله لنا ولكن التوفيق والسداد .والله  تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب..


الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

تعليقاً على جريمة صيدا ....القتل الحرام

بقلم/ الشيخ جمال الدين شبيب

ماجرى في مدينتنا الحبيبة صيدا مؤخراً من قتل متعمد للأبرياء واستباحة للمدينة وتخريب واعتداء على الممتلكات وترويع الآمنين أمر لا يستهان به أبداً. لأن هذه الظاهرة السيئة استسهال ازهاق الأرواح والبغي والعدوان والتفلت من العقاب أصبح ظاهرة شائعة في أكثر من منطقة. ولعل السبب الأهم وراء تفشي هذه الظاهرة البشعة هو ضعف الوازع الديني والاكتفاء من الايمان بالمظاهر أما السرائر فلا تنقاد لقانون الإيمان بل تتحكم بها الغرائز.
لأن كل مؤمن ومسلم يعلم من الدين بالضرورة أن القتل المتعمد وإزهاق الأرواح البريئة محرم في الشرع فالله توعد القائل للمؤمن البريء بالخلود في النار.
قال الله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [سورة النساء ـ الآية 93]
وقد قرن الله في كتابه الكريم بين جريمة الكفر وجريمة القتل فقال (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [سورة الفرقان ـ الآية 68]
ونهى سبحانه عن قتل النفس المعصومة البريئة وحفظ حق أولياء الدم بالقصاص من القاتل على يد الحاكم الشرعي والدولة دون إسراف أوتجاوز للحق (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [سورة الاسراء ـ الآية 33]
والنبي عليه الصلاة والسلام جعل المشارك في الجريمة والمتدخل فيها متحملاُ في الدنيا الآخرة وزر المرتكب ومعاقباً معه على السواء.
عن أبي سعيد وأبي هريرة، عن رسول الله (ص) قال: (لو أن أهل السماء وأهل الارض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) رواه الترمذي.
وحذر النبي (ص) من خطورة القتل بغير حق وجعل الاعتداء على نفس بريئة بالقتل كالاعتداء العام على البشرية جمعاء .عن البراء بن عازب عن رسول الله (ص): (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) رواه ابن ماجه بإسناد حسن، ورواه البيهقي والاصبهاني وزاد فيه: (ولو ان اهل سمواته واهل ارضه اشتركوا في دم مؤمن لادخلهم الله النار).
ولم يسمح الاسلام للإنسان حتى بأن يعتدي على نفسه بالقتل لأنه ليس مالكاً لها ولا متصرف فيها لأن الأمر كله لله .روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: ان الرسول (ص) قال: (من تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيها خالداً مخلداً أبداً ، ومن تحسَّى سُمّاً نفسه فسُمّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً).
ولم يسمح بقتل المخالف في العقيدة المستأمن في بلاد المسلمين وتوعد الفاعل بالنار والحرمان من الجنة فعن عبدالله ابن عمرو عن رسول الله (ص) قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائجة الجنة) رواه البخاري والنسائي، (من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) (من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها).
ومما تقم يتبين أن عظم الإسلام من حرمة الانسان المؤمن، فحرم أذيته وجعل لنفسه وأهله وماله الحصانة التي تمنع من التعدي عليه.وعليه فإن جريمة القتل من أبشع الجرائم ومن أكبر الكبائر.
كما عدها رسول الله (ص)عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات) رواه البخاري (6465)
فليحذر كل إنسان وليتفكر قبل التهور والاعتداد بالقوة والعشيرة فإن الدنيا فانية وعند الله تجتمع الخصوم.وأحر التعازي لأسر الضحايا الأبرياء تغندهم الله بواسع رحمته ودعاؤنا للجرحى بالشفاء العاجل.ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.