السبت، 22 أغسطس 2009

الصوم : مدرسة الحرية !

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون}. في هذا الشهر ـ شهر رمضان المبارك ـ يريد الله تعالى أن نربّي شخصيتنا الإسلامية على أساس تقوية الإرادة أمام كل التحديات التي تواجه الإنسان في مواقف حياته كلها ، وفي كل الواقع الإنساني.
.. لأن المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم تنضم إليها الإرادة، وقد ورد في الصالحين: أن الإرادة كلّما قويت كلما قوي البدن معها حتى لو كان ضعيفاً، وقد جاء في الأثر: "ما ضعف بدن عما قويت عليه النيّة"، إذا كنت تملك الإرادة القوية والنية الحاسمة، فإنها تعطي بدنك قوّة لتنفيذ ما نويته وأردت أن تفعله.
فالإرادة هي من الأمور التي تتصل باستقامة الحياة أمام كل نقاط الضعف والتحديات، وهذا ما نلاحظه في الانحرافات التي تحدث للإنسان، سواء كان ذلك في عاداته السلبية، كالإدمان على التدخين أو المخدرات، أو بعض العادات التي يمارسها الكثيرون من المراهقين أو غيرهم، مع علمهم بضررها، وهم المصلّون الصائمون.
وعندما تطلب من مدمن أن يمتنع عن إدمانه لأنه يُضعف صحته أو ربما يؤدي به إلى التهلكة، فيكون الجواب: "إني لا أقدر"، والواقع أنه قادر على ذلك، ولكن إغراءات الشيء الذي يدمنه أضعفت إرادته، .. ولكن عندما يتوازن في نظرته للأشياء، فيحكم على نفسه أو لنفسه من خلال هذا التوازن يستطيع أن يصمد وينتصر بقوة إرادته..
...على ضوء ذلك، أراد الله تعالى للإنسان أن يمر بهذه الدورة التدريبية خلال هذا الشهر الكريم شهر رمضان ، من أجل أن يقول لنفسه: "لا"، فعندما يأتي شهر رمضان، فإن الإنسان المسلم يمتنع عن كل ما اعتاده أثناء النهار من شرب القهوة وتناول الإفطار الصباحي وما إلى ذلك، فلماذا يترك كل هذه الأمور؟ لأن الله تعالى نهاه عن أن يتناول هذا المفطر أو ذاك، وعندما تتطوّر هذه الحالة، فإنه تولد لديه حالة جديدة تنطلق من قوة الإرادة. فالقضية هي أن لا يمارس الإنسان شهر رمضان كعادة، بل أن يتحرك فيه كشهر عبادة يتحرر فيه من العادة، بحيث يصبح في تجربته هذه ووعيه لمعناها إنساناً يواجه بالرفض كل شيء سيىء وبالقبول كل شيء خيّر، وهذا الذي يرتفع بإنسانية الإنسان.
ما الذي يجعلك حراً وتمارس حريتك أمام الذين يحاولون أن يستعبدوك، وهم يملكون القوة والمغريات ويهددوك في الكثير من شؤون حياتك؟ إنها إرادة القوة في شخصيتك، لأنك عندما تؤمن بأن الله خلقك حراً، عند ذلك تكون حريتك أقوى من رغباتك.. وقيمة الإنسان إنما هي بمقدار ما يقول "لا" في ما يرفضه و "نعم" في ما يقبله، ولكن بعض الناس دائماً يقول "نعم نعم "، والبعض دائماً يقول "لا"، والأساس أن يكون هناك توازن في الـ"نعم" والـ"لا".
وهذا ما يجعل الشعوب قادرةً على أن تتحدّى إرادة الطواغيت والجبابرة الذين يصادرون حريات الناس في السياسة والأمن والاقتصاد، وحتى في الدين والاعتقاد.. لأنها ترى في حريتها عزتها وكرامتها وإنسانيتها، وإلا ما الذي يغري المجاهدين في سائر أنحاء العالم بالتضحية بأنفسهم وتحمّل المصاعب والمشقات في مواجهة أعتى الامبراطوريات الظالمة والغاشمة؟ الذي يغريهم هو إيمانهم بالحرية التي منحها الله لهم في إرادتهم الحرة.
لذلك نجد أن الشعوب التي تعطي قيادها للظالمين والجبابرة هي شعوب لا تعيش إنسانيتها. وقد ربط بعض الأئمة الحرية بالصبر على الحرمان، بقوله "إن الحر حرٌ في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن استُعبد واُسر".
ليست القضية هي أن تعيش طعامك وشرابك، ولكن أن تكون حراً في لقمتك، وحراً في الماء الذي تشربه. هذا الجانب ينبغي لنا أن نرفده في أنفسنا عندما نصوم. مثلاً هناك بعض الناس الذي يعيش حالة الغضب والغيظ في نفسه خارج الصيام، يعنف ويغضب على أهله وعلى موظّفيه وعماله، أو على الكثير من الناس الذين هم أضعف منه، فإذا جاء شهر رمضان ارتفعت درجة الغضب عنده، والعذر بالنسبة إليه أنه صائم؟! ومن المفروض أن تصوم عن كلِّ هذا الغضب، وأن تخشى الله في ذلك، فإذا أفطرت على طعام وشراب فسوف يعاقبك الله، فهناك إفطار معنوي أخطر من الإفطار على الطعام والشراب، وهو الظلم.
..فعلى الذين يعيشون الغضب، أن يعيشوا في شهر رمضان حالة الطمأنينة والسكون، لأن ما تقرأه من القرآن في شهر رمضان، من المفروض أن يربي لك طباعك ومزاجك، وهكذا في الأمور الأخرى.
وحتى لا أطيل.. تقبل الله طاعتكم ووفقنا وإياكم للتأدب بأدب رمضان..

قرأت لك : الحكمة الإلهية من الصوم

يقول الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في فصل عقده لبيان الحكمة الإلهية في الشرائع في كتابه " مفتاح دار السعادة " :
" وأما الصوم فناهيك به عن عبادة تكفُّ النفس عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين، فإن النفس إذا خُلّيت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم، فإذا كفّت شهواتها لله ضيّقت مجاري الشيطان، وصارت قريبة من الله بترك عاداتها وشهواتها ومحبةً له وإيثارا لمرضاته، وتقربا إليه، فيدعُ الصائم أحب الأشياء إليه، وأعظمها لصوقاً بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه، فهو عبادة، ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله.
فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه، وهذا معنى كون الصائم له تبارك وتعالى وبهذا فسر النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الإضافة في الحديث : " يقول الله تعالى : كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها ، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه من أجلي " .
حتى أن الصائم ليتصوّر بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا تحصيل رضى الله .
وأيّ حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة ،وتقمع النفس،وتحيي القلب وتفرحه ،وتزهد في الدنيا وشهواتها ،وترغب فيما عند الله،
وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم ، وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم، فتعطف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكراً .
وبالجملة فعون الصوم على تقوى الله أمر مشهور، فما استعان احد على تقوى الله، وحفظ حدوده، واجتناب محارمه بمثل الصوم .
فهو شاهد لمن شرعه وأمره به بأنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأنه إنما شرعه إحسانا إلى عباده ورحمة بهم ولطفاً بهم ، لا بخلا عليهم برزقه ولا مجرد تكليف وتعذيب خالٍ من الحكمة والمصلحة، بل هو غايةُ الحكمة والرحمة والمصلحة، وإنَّ شرعَ هذه العبادات لهم من تمام نعمته عليهم ورحمته بهم " .

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

نحو خارطة طريق للوحدة الإسلامية في لبنان



إن مما لا شك فيه أن الهم الوحدوي بين السنة والشيعة في لبنان هو همّ مشترك بين كافة الإسلاميين المخلصين الساعين لإقامة الإسلام في الحياة وإستئناف مساره التصاعدي في ساحة الفعل والتأثير في المجتمع.

ولا أزعم في هذه العجالة بأن هذه الوريقات القليلة يمكنها أن تنتج لنا إطاراً ناظماً لمسار خط الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة اللبنانيين. ليس تقليلاً من شأن ما تتضمنه من رؤى وأفكار بل لإيماني العميق بأن مقام رجل في ألف رحل خير من كلام ألف رَجُل لرجل.

ولعل ما شاب العلاقات بين طليعة المذهبيين الإسلاميين من شوائب أعقبها فتور وشكوك وإتهامات للنوايا ونقد قاسٍ للمسالك التي انتهجها البعض هنا أو هناك.

كل هذه جعل من الخط البياني لمسار التوجه الوحدوي في إنحدار شبه تام ومتواصل من هنا أعتقد بأن الأمر يحتاج إلى وقفة صادقة للمراجعة والمحاسبة الذاتية داخل كل طائفة ومذهب بل داخل من يمثلون طليعة حركية واعية داخل هذه الطوائف والمذاهب.

ولا أريد أن نستغرق في المحاسبة لدرجة جلد الذات, أو رمي الآخر بما نعاني منه نحن في الأصل بل أريد أن يتم تقييم وتقويم للمسار هنا وهناك في كلا الساحتين.

واسمحوا لي أن أنطلق من تحديد نقاط الضعف ونقاط القوة توصلاً لتحديد الفرص المتاحة والمخاطر في قراءة واقعية لساحتنا الإسلامية في لبنان.

بداية أبداً بتحديد نقاط القوة في هذه الساحة الوحدودية:

أولاً: في لبنان اليوم قوى إسلامية سنيّة وشيعية واعية وعلى قدر من المسؤولية.
ويمكننا أن نراهن بقوة على درجة الوعي والإلتزام التي تتمتع بها القوى الطليعية في كلا الساحتين.

وقد ظهر هذا, جلياً خلال الأزمة السياسية التي أعقبت إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاه من إغتيالات, وإنقسام حكومي وإعتصامات وإشتباكات متنقلة عبر الإحياء البيروتية من الطرق الجديدة وما تلاها من أحداث عائشة بكار وإزهاق أرواح بريئة لا شك أرخت بظلالها وما تزال على الساحة الإسلامية.
وبالرغم من كل ما جرى نستطيع القول: إن حزب الله سعى لضبط إيقاع شارعه بالحد الأدنى وحال دون إنفلاته. كذلك فعلت الجماعة الإسلامية رعم وقوفها سياسياً مع خصوم المعارضة ونقدها الشديد لأداء هذه المعارضة وطليعتها حزب الله في الساحة السياسية.
فتماسك هذه القوى الطليعة وتمسكها بالحد الأدنى أو المعقول من النفس الوحدوي حال حتى الأن دون حصول المزيد من الويلات.

ثانياً: في الساحة مرجعيات دينية وسياسية وحدوية وعلمية فاعلة قد تكون وازنة أكثر في الساحة الشيعية ولكن وحتى بعد رحيل فتحي يكن لايمكننا أن ننسى دوره وإخوانه في جيهة العمل الإسلامي لجهة الضغط بإتجاه حصر الصراع على الساحة بالشأن السياسي دون التورط في آتوان الفتن والإقتتال المذهبي الذي سعى إليه البعض بقوة من بداية الأحداث.

ولا يمكننا أن نغفل دور أمثال سماحة المرجع الديني أية السيد محمد حسين فضل الله في وضع الأصبع على الجرح وبذله لكل ما يملك من نصح وتوجيه وتحذير من الوقوع في المنزلقات لكل مكونات الساحة الإسلامية.
كذلك في الساحة مكان وازن لتجمع العلماء المسلمين الذين يضم علماء وحدويين أصحاب خبرة طويلة في تعبيد ورصف طرقات الوحدة الشديدة الوعورة في مثل هذه الأيام.

ورغم كثير من الإتهامات الطالمة التي لحقت وتلحق بالعلماء الموجودين في كلا الساحتين لكن غالبية الساحة الإسلامية كثيراً أما كانت تعبر عن سعادتها كلما رأت علماء من هنا وهناك يسيرون صفاً واحداً لحضور إحتفال أو المشاركة في عزاء.

هذه المرجعيات الدينية والسياسية الوحدوية إستطاعت بلا شك أن تخفف من اضطرام النار المذهبية وتؤسس لفكر وعمل وحدودي ينطلق من عموم الإسلام ويترك مساحة للخصوصيات بما يحول دون إثارة الحساسيات ونبش الخلافيات التي يجب أن لا تنزل إلى ساحة العامة دون إطار واعٍ يحدد مسارها بما يحترم وحدة المسلمين ويحقق الإستفادة من دروس الماضي في بناء الحاضر.


ثالثاً: تداخل الساحتين السنية و الشيعية في لبنان اجتماعياً و ديمغرافياً يشكل حال دائماً دون استفادة الأعداء من امكانية تفخيهما من الداخل.
فهناك نسبة كبيرة متزاوجة تربطها من هنا و هناك علاقات مصاهرة أو خؤولة أو عمومة بحيث يمكن الاستفادة جيداً من هذه الناحية في تعميق و توسعة مساحة الوعي لدى كل من الطائفيتن... بما يخدم خط الإسلام الأصيل – وتشجيع النماذج الواعية في كلا الساحتين على نبذ ومحاصرة الآراء المتشددة هنا وهناك بما يحول دون إحداث "النقزة" والنفور من الزاوج الجامع ولا أسميه المختلط باعتبار أن عناصره متجانسة وليست غريبة أو متنافرة....فالإسلام العظيم يجمعنا...ففيم الفرقة والاختلاف؟!
كذلك الإنتشار الديمغرافي سواء في الجنوب أو البقاع أو بيروت كان و مازال متدخلاً باستثناء مناطق محددة هنا و هناك...هذه المساحة المشتركة يمكن أن تؤسس لحياة مشتركة قائمة على التفهم و الممارسة الإسلامية الصحيحة و احترام آراء و أفكار الآخر المخالفة للكثير من المورث الذي يحتاج للكثير من التصفية والتنقية على يد الجهابذه المختصين في كلا المذهبين.


رابعاً: وجود "المقاومة الإسلامية" بما تمثله من زخم عسكري وأمني وسياسي و دخول حزب الله المعترك السياسي اللبناني برلمانياً وحكومياً...كل هذا يمكننا أن نعتبره عنصر قوة دافعة لخط الوحده الإسلامية.
رغم وجود بعض الملاحظات على بعض الأداء السياسي الداخل للحرب عند بعض الإسلامية السنة. لكن إحياء النفس المقاوم في الساحة الإسلامية عامة وضبط الإيقاع الشيعي وتوجيهه نحو مشروع المقاومة كان و ما يزال يمثل رافعة بخط الوحدة الإسلامية منذ وما يزيد عن عقدين و نيف من الزمن.


خامساً: دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية و قيادتها المرجعية و الرسمية لخط الوحدة في ساحة العالم الإسلامي عموماً والساحة اللبنانية على وجه الخصوص وما تبذله من دعم مادي ومعنوي كل الخيارات والاختيارات اللبنانية المتوائمة مع الخط الوحدوي الإسلامي كان ومايزال يشكل صمام الأمان الذي يحفظ الساحة الاسلامية اللبنانية من تأثير صواعق التفجير الوافدة عبر الحدود سواء النابعة من الفهم القاصر أو التوظيف السياسي الرخيص من هنا أو هناك. و بالتالي، فإن الجمهورية الاسلامية مدعوة كما عهدناها لمواصلة مسارها الداعم للخيارات الوحدوية ليس في لبنان فحسب و إنما على امتداد ساحات الصراع مع أعداء الإسلام.
رغم الظروف الصعبة التي يحاول البعض أختلاقها في الداخل الإيراني لصرفه عن قيادة مسيرة الصراع مع أعداء الإسلام ومتابعة جهوده لحفظ الساحة الإسلامية عامة مشكوراً شكراً موفوراً لوعيه وفقهه وحسن إدارته...
ولا شك بأن المتأمل سيجد المزيد من عناصر القوة لكنني أكتفي بهذه اختصاراً وعلى سبيل التمثل وليس الحصر.





نقاط الضعف :
وانطلق لدارسة عناصر الضعف في كلا الساحتين :

أولا: الممارسات الخاطئة : قولاً و فعلاً. لا شك بأن عمليات الشحن المذهبي التي مورست قبل و بعد أحداث السابع من أيار و ماتزال يتحمل مسؤوليتها ليس فقط من يسعى لنشرها وتعميمها وغرسها في وعي الناس.
ولكن للأسف كثير من الأقوال تنطلق في الغرف المغلقة و الساحات الضيقة لكل فريق تبرماً أو استئثاراً أو تحت غلاف النقاش التاريخي في كثير من المناسبات.
كل هذا ولد "نقرة" ونفوراً مشتركاً في كل من الساحتين. هذا إذا استثنينا الشتائم المذهبية و الشعارات الطائفية الضيقة.
وصولاً إلى الممارسات الفعلية المغلفة بالغلاف المذهبي و المنطلقة في الحقيقة من الرغبة في الاستئثار السياسي و إسقاط الخصم بمختلف السبل و أشدها قذارة...حتى استخدام السلاح و التدمير و التخريب و القتل و تمجيد مثل هذه الأفعال...التي قد يكون بعضها قد حصل تحت ضغط معين كرد فعل قاس على استفزازت البعض و محاولته فرض قناعاته السياسية و الأمنية المنحرفة على باقي الشركاء في الوطن. ولكن هذا كله ترك جرحاً عميقاً في وعي المواطن البسيط لا نتصور مدى خطورته إلا من خلال استخدام تعابير الناس البسطاء واستحضارها تدليلاً لإدانتهم ورفضهم لما حصل....

والذي حدث أمر خطير....كان ينبغيٍ توضيحه للعامة بدل الإمعان في تمجيده و احترام مشاعر الناس حتى ولو كانوا خصوماً ومخالفين ما داموا شركاء معنا في الوطن...


ثانياً : محاولات التشويه والإتهامات الظالمة لرموز الخط الوحدوي خاصة في الساحة السنية تارة بالعمالة وتارة آخرى بالارتزاق ونشر مثل هذه الافتراءات بين الناس مما أضعف دور العلماء السنة الوحدوين وحاصرهم وحال دون استفادة الكثير من الناس من علمهم ودعوتهم وفضلهم...

وحتى في الساحة الشيعية حاول البعض محاصرة إخوانهم العلماء الشيعة المؤمنين بخط الوحدة ورغم عدم حصول أضرار تذكر في هذا المجال لكن من قال بأن العلماء الشيعة المتمسكون بالخط الوحدوي لا يتهمون في ساحتهم بالضلال أو حتى بالكفر لمجرد رآي أبدوه في مسألة فقهية أو تاريخية.



وعندما يغيب العلماء والدعاة والمصلحون عن قيادة الساحة وتترك للسياسيين يمكنكم أن تروا ولا حاجة للتصور... كل ما عاناه اللبنانيون عامة والمسلمون خصوصاً منذ أكثر من أربع سنوات ونيف... هو نتاج لمحاصرة الكلمة الواعية, والافتراء على أصحاب العمائم الناصعة والأيدي الكريمة البيضاء...

وبالتالي لا بد من حملة ضخمة لإستعادة الثقة .. كيف؟ بالطبع ليس من مجال للتوسع في هذه العجالة بل لا بد من القيام بخطوات مدروسة على هذا الصعيد وبشكل مشترك وفي كل من الساحتين.

ثالثاً: الأداء السياسي المذهبي المقزز في كلا الساحتين ساهم بشكل مؤذٍ بل بالغ الإيذاء في تأجيج الصراعات المذهبية ومحاضرة الحالة الواعية الوحدوية ... حتى على يد بعض النواب الطليعيين الذين يمكنهم في الأصل تفهم ومراعاة الحساسيات كان بعضهم يتكلم بلهجة إستعلائية مقززة... ويلقى بتهديداته بنبرة تفوق نبرة الخطاب السياسي المعتاد في لبنان..
أنا لا أعتب على السياسيين الذين لم يتخرجوا من المدرسة "الإسلامية" ربما هم اأبناء بيئتهم لكن ما بال إخواننا الإسلاميين سنة وشيعة.

تشنج هنا يقابله إتهامات هناك وهجر نعم هل تعلمون أن الهجر السياسي مصطلح جديد دخل ساحتنا الإسلامية في لبنان ... فماذا يعني أن تتعطل لغة الكلام بين "الحرب" و"الجماعة" بما تمثيلان من ثقل ديني وسياسي في لبنان في أصعب الأوقات ولفترة طويلة...

وهذا كل مما أدى إلى مواقف سيظهر في المستقبل خطأ من اتخذها في هذه الساحة أو تلك وبشكل لا يختلف عليه إثنان ... فأنا لا يمكنني أن أفهم هذا التدابر والتقاطع والمواقف المائلة أو المتشنجة في ساحة تنظيمات طليعية إسلامية تلتزم الإسلام و تحمل المشروع المقاوم على تفاوت بينها في الأداء.

رابعاً: التخلف السياسي عند بعض مكونات الساحة الإسلامية والذي أوقع أصحابه في فتح وسياسات الإستقطاب والتوظيف السياسي من قبل جهات علمانية وغير إسلامية بل تتبنى رؤى معادية داخلية معادية للمشروع الإسلامي المقاوم في لبنان.
فماذا يعني إتخاذ خيارات مذهبية تحت ضغط سياسي معين, والتذرع بأننا لا يمكن أن نقف ضد الطائفة؟! خاصة عندما ينطلق هذا الكلام من رموز تيار تربى على فكر الوحدة الإسلامية مع حفظ وإحترام الخصوصيات...
الأصل أن نستقطب الآخرين لمشروعنا الإسلامي المشترك وليس أن نتشظى مذهبياً لصالح مناكفات سياسية ومصالح خارجية ضيقة !!

خامساً: صعوبة المرحلة إقليمياً ودولياً ... والطبع محلياً ... تهديدات إسرائيلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية, ومحاولة تحيد لسوريا وفك لإرتباطها بالحركات المقاومة في لبنان وفلسطين, وضغوط محلية لعزل حزب الله ومحاصرة مشروعة البمقاوم وتقييد بالسلاسل المذهبية ... ورغم توقعات البعض بإقتراب العدوان الإسرائيلي الجديد على لبنان من ساعة الصفر و مراهنة بعض مراهقي أودهاقنة السياسية المحلية عليه... فإنني أرى أن الإنتباه لهذا الخطر من الضروري جداً.

لأن النوم على حرير وجعل كل شي ماشي يجعل البلد أيضاً ماشي إلى المجهول والخراب.
وهذا الوضع المحلي و الإقليمي الصعب يمكن ان يشكل حافزاً للإجتماع والوحدة المواجهة الخطر والإستعداد من قبل وقوعه.

فالمعركة التي يمكن لحزب الله والمقاومة الإسلامية خوضها يجب أن بكون معركة كل الوحدويين الصادقين إسلاميين وعروبيين وأحرار وشرفاء داخل لبنان وخارجه...

وحذار من لعبة الحصار والعزل والإستفراد التي تشكل خاصرة رخوة يمكن للعدو أن ينفذ من خلالها لضرب مشروع الوحدة ورأس حربته في الساحتين السنية والشيعية...

المخاطر والفرص المتاحة
بإزاء كل ما تقدم يمكننا القول:

إن ساحتنا الوحدوية في لبنان، اما خطر كبير يتهدد وجودها وفاعليتها لذلك يجب التنبه لكل ما من شأنه .... أن يفت في عضد وتماسك هذه الساحة.
ومشروعنا الإسلامي الوحودي في لبنان تهدده أخطار شتى:

أولها: إنتشار موجة مذهبية مقرفة في كلا الساحتين والتي يجب أن يخرج الجميع من بوتقتها ويعود إلى إستخدام المفردات المدروسة الجامعة التابعة من رغبة صادقة في نبذ كل خلاق مفرّق، والتمسك بكل وفاق جامع، على أسس شرعية ووطنية وسياسة موافقة لرؤى أهل العلم والدين والعقل والتوجه نحو محاصرة التمدد المذهبي والسير بعيداً وتوسيع آفاق الوعي فكراً وقولاً وسلوكاً في كلا الساحتين.

ثانياً: إستغلال حاجات الناس لإستخدامهم في تأجيج الفتن المذهبية وتسعير نارها. وبالتالي مراعاة حاجات المجتمع وتأمين الوظيفة ولقمة العيش للعاطل عن العمل والدواء للفقير , و التعليم الجيد في كافة مراحله عبر مؤسساتنا الإجتماعية والصحية والتعليمية الوحدوية . إن دعم مثل هذه التوجهات وبناء المؤسسات لإحتضان شعب المقاومة في كلا الساحتين وخصوصاً في الساحة السُّنية. كل هذا من شأنه أن يقلل من تأثير الخط المعادي ويحصر تحركه وتأثيره اللهم الا بين ضعاف النفوس والمشوشين فكرياً ودينياً والذين هم أيضاً بحاجة لنشر الوعي وتاطيرهم في العمل الوحدوي خدمة للمشروع الاسلامي الوحدوي الجامع.

ثالثاً: غياب التخطيط الإستراتيجي لمسار خط الوحدة الإسلامية الذي تتضمن توضيحاً للأهداف المتوخاء والأساليب المتبعة لتحقيقها, والجدول الزمني. للتنفيذ والقائم على دراسة والإمكانيات المتوفرة والمطلوبة.

هذا الغياب يهدد الكثير من الطاقات ويترك الجميع في ساحة الضياع والقصور عن بلوغ الأماني. ويجعل من هذا الخط مجرد نكهة مطلوبة لتلطيف الواقع المتأزم أكثر مما هو خاصة إنسانية وفريضة شرعية يجب أن تشكل إطاراً ناظماً للعمل الإسلامي بكافة أطيافة في لبنان.

يجب أن تكون هناك خطط, أهداف, ووسائل وإمكانات بشرية ومادية مدروسة يجري إستخدامها بشكل جيد وجدول زمني للتنفيذ وتقييم ومتابعة لتقويم المسار من أجل البلوغ لتحقيق لما تتوخاه من نجاح للمشروع الوحدوي في لبنان.

رابعاً: التقاطع السياسي الداخلي المغلف بالمذهبية من شأنه إذا ترك لحريته أن يجلب للساحة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب من الإنفجارات الفكرية الأمنية لذا يجب التنبه إلى ضرورة , حصر النزاعات في الإطار السياسي وبذل كل ما أمكن من جهد يوقف الضخ المذهبي ومحاصرته والحؤول دون تحقيقه لأهدافه المدمرة لمجتمعنا.

وحتى لا أطيل اكتفي بهذا القدر الذي أسأل الله تعالى أن يشكل كلامنا ورقة عمل ناجحة تكون حافزاًً لدراسة أعمق وأشمل لساحتنا الوحدوية وبما يضع القوة الاسلامية الصادقة يخدم قوتها وصلابتها في مواجهة مشاريع التمذهب والتفيت الحاضرة في كلا الساحتين في مواقعها التنفيذية المناسيية وفقاً لخارطة طريق متفق عليها تؤسس لجمع الشمل الإسلامي ومواجهة المخاطر ليس في لبنان فقط بل على إمتداد ساحة العالم العربي الإسلامي والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.