السبت، 22 أغسطس 2009

الصوم : مدرسة الحرية !

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون}. في هذا الشهر ـ شهر رمضان المبارك ـ يريد الله تعالى أن نربّي شخصيتنا الإسلامية على أساس تقوية الإرادة أمام كل التحديات التي تواجه الإنسان في مواقف حياته كلها ، وفي كل الواقع الإنساني.
.. لأن المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم تنضم إليها الإرادة، وقد ورد في الصالحين: أن الإرادة كلّما قويت كلما قوي البدن معها حتى لو كان ضعيفاً، وقد جاء في الأثر: "ما ضعف بدن عما قويت عليه النيّة"، إذا كنت تملك الإرادة القوية والنية الحاسمة، فإنها تعطي بدنك قوّة لتنفيذ ما نويته وأردت أن تفعله.
فالإرادة هي من الأمور التي تتصل باستقامة الحياة أمام كل نقاط الضعف والتحديات، وهذا ما نلاحظه في الانحرافات التي تحدث للإنسان، سواء كان ذلك في عاداته السلبية، كالإدمان على التدخين أو المخدرات، أو بعض العادات التي يمارسها الكثيرون من المراهقين أو غيرهم، مع علمهم بضررها، وهم المصلّون الصائمون.
وعندما تطلب من مدمن أن يمتنع عن إدمانه لأنه يُضعف صحته أو ربما يؤدي به إلى التهلكة، فيكون الجواب: "إني لا أقدر"، والواقع أنه قادر على ذلك، ولكن إغراءات الشيء الذي يدمنه أضعفت إرادته، .. ولكن عندما يتوازن في نظرته للأشياء، فيحكم على نفسه أو لنفسه من خلال هذا التوازن يستطيع أن يصمد وينتصر بقوة إرادته..
...على ضوء ذلك، أراد الله تعالى للإنسان أن يمر بهذه الدورة التدريبية خلال هذا الشهر الكريم شهر رمضان ، من أجل أن يقول لنفسه: "لا"، فعندما يأتي شهر رمضان، فإن الإنسان المسلم يمتنع عن كل ما اعتاده أثناء النهار من شرب القهوة وتناول الإفطار الصباحي وما إلى ذلك، فلماذا يترك كل هذه الأمور؟ لأن الله تعالى نهاه عن أن يتناول هذا المفطر أو ذاك، وعندما تتطوّر هذه الحالة، فإنه تولد لديه حالة جديدة تنطلق من قوة الإرادة. فالقضية هي أن لا يمارس الإنسان شهر رمضان كعادة، بل أن يتحرك فيه كشهر عبادة يتحرر فيه من العادة، بحيث يصبح في تجربته هذه ووعيه لمعناها إنساناً يواجه بالرفض كل شيء سيىء وبالقبول كل شيء خيّر، وهذا الذي يرتفع بإنسانية الإنسان.
ما الذي يجعلك حراً وتمارس حريتك أمام الذين يحاولون أن يستعبدوك، وهم يملكون القوة والمغريات ويهددوك في الكثير من شؤون حياتك؟ إنها إرادة القوة في شخصيتك، لأنك عندما تؤمن بأن الله خلقك حراً، عند ذلك تكون حريتك أقوى من رغباتك.. وقيمة الإنسان إنما هي بمقدار ما يقول "لا" في ما يرفضه و "نعم" في ما يقبله، ولكن بعض الناس دائماً يقول "نعم نعم "، والبعض دائماً يقول "لا"، والأساس أن يكون هناك توازن في الـ"نعم" والـ"لا".
وهذا ما يجعل الشعوب قادرةً على أن تتحدّى إرادة الطواغيت والجبابرة الذين يصادرون حريات الناس في السياسة والأمن والاقتصاد، وحتى في الدين والاعتقاد.. لأنها ترى في حريتها عزتها وكرامتها وإنسانيتها، وإلا ما الذي يغري المجاهدين في سائر أنحاء العالم بالتضحية بأنفسهم وتحمّل المصاعب والمشقات في مواجهة أعتى الامبراطوريات الظالمة والغاشمة؟ الذي يغريهم هو إيمانهم بالحرية التي منحها الله لهم في إرادتهم الحرة.
لذلك نجد أن الشعوب التي تعطي قيادها للظالمين والجبابرة هي شعوب لا تعيش إنسانيتها. وقد ربط بعض الأئمة الحرية بالصبر على الحرمان، بقوله "إن الحر حرٌ في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن استُعبد واُسر".
ليست القضية هي أن تعيش طعامك وشرابك، ولكن أن تكون حراً في لقمتك، وحراً في الماء الذي تشربه. هذا الجانب ينبغي لنا أن نرفده في أنفسنا عندما نصوم. مثلاً هناك بعض الناس الذي يعيش حالة الغضب والغيظ في نفسه خارج الصيام، يعنف ويغضب على أهله وعلى موظّفيه وعماله، أو على الكثير من الناس الذين هم أضعف منه، فإذا جاء شهر رمضان ارتفعت درجة الغضب عنده، والعذر بالنسبة إليه أنه صائم؟! ومن المفروض أن تصوم عن كلِّ هذا الغضب، وأن تخشى الله في ذلك، فإذا أفطرت على طعام وشراب فسوف يعاقبك الله، فهناك إفطار معنوي أخطر من الإفطار على الطعام والشراب، وهو الظلم.
..فعلى الذين يعيشون الغضب، أن يعيشوا في شهر رمضان حالة الطمأنينة والسكون، لأن ما تقرأه من القرآن في شهر رمضان، من المفروض أن يربي لك طباعك ومزاجك، وهكذا في الأمور الأخرى.
وحتى لا أطيل.. تقبل الله طاعتكم ووفقنا وإياكم للتأدب بأدب رمضان..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق