الجمعة، 3 أبريل 2015

تهجير المسيحيين .. رؤية شرعية


في كل نازلة من نوازل الأمة وكل خطب جلل من خطوبها، ندرك الجهل الذي يسيطر على الذهنية وغربة الإسلام في مثل هذه التنظيمات المتطرفة وفكرها العاطفي الذي يبتعد بمتحمسيها عن الإسلام الحنيف وسماحته، وهي تحسب أنها تحسن الصنع وأنها تقترب من الله جلّ وعلا: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (103 -105) سورة الكهف.
ومن أكبر الكوارث التي شوهت هذا الدين العظيم وجاءت على خلاف ما كان عليه من قواعد التسامح والتعايش، ما يسمّى تهجير المسيحيين من بلادهم، فهذه المرة تعمل بعض التنظينات المتطرفة على تهجيرهم من العراق ومن الموصل تحديداً وغداً سيطالب المغامرون بتهجيرهم من مصر وهكذا، وتسليطاً للضوء على هذا التهجير القسري لا بد من دراسة الجوانب الشرعية التي نخلص بنتيجتها إلى حرمة هذا الفعل شرعاً واثم من يقوم به.
ومن أكثر ما يثير العجب السكوت الدولي عن هذا الجرم الشنيع الذي لا يقره دين ولا عقل وينافي شريعة حقوق الانسان والقوانين الدولية.. فضلا عن مجافاته لتعاليم الإسلام، وكأن هذا السكوت يعطي مؤشراً على عبث الأيدي الاستخباراتية في مصير شعوبنا العربية وتفتيت بلادنا العربية ونشر الفوضى في بلاد المسلمين
كما برزت دعوة الرئيس الفرنسي هولاند وقبله ساركوزي المسيحيين العراقيين للعيش في أوروبا ، بحجة أنّ مكانهم الطبيعي في غير المشرق، ونسي هؤلاء أن المسيحية كلها نزلت على أهل المشرق وأن مهبطها على سيدنا المسيح عليه السلام كان في المشرق.
ولذلك لم يجد المسيحيون عبر التاريخ الاسلامي الطويل أية مشكلة في العيش الكريم في ظل الإسلام المعتدل، والنصوص كثيرة التي تدل على عدل الإسلام مع هؤلاء المسيحيين ابتداءً من العهدة العمرية وفتح بيت المقدس على يد سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وليقرأ من شاء شهادة غوستاف لوبون في كتاب حضارة العرب…
ويجب أن يعلم الجميع أن المسيحيين العرب في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق ومصر وغيرها مكوّن رئيسي من مكونات المجتمع العربي، وأبلوا بلاءً حسناً في قضايا الأمة الإسلامية وقدموا من التضحيات ما يشكرون عليه، وكثير منهم ناضل من أجل الاستقلال الوطني والوحدة العربية، وكثير منهم تجاوز الانحياز الديني والمذهبي وهام عشقاً في العروبة والإسلام، وتفريغ الموصل من مسيحييها جريمة كبرى لا تغتفر وخطيئة لا يقر بها الإسلام العظيم، ولا ترضاها النخب الدينية والسياسية…
وردت النصوص الشرعية بالتوصية بالقبط وهم نصارى مصر، وليس هناك مانع من الاهتمام بنصارى الموصل وغيرهم، إذ أورد الشيخ الألباني – رحمه الله – في «السلسلة الصحيحة» برقم: (1374) تحت عنوان: «التوصية بالقبط وسببها»: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإنّ لهم ذمة ورَحِماً»، ولا يلتفت إلى من رد على الشيخ في قوة الاستدلال بالحديث. وعلى المسلمين ألا ينسوا سيدتنا هاجر أم إسماعيل وكذلك أم سيدنا إبراهيم مارية فهما قبطيتان، وألا ينسوا سيدتنا صفية بنت حيي بن أخطب سيد اليهود، فأهل الكتاب لهم رحم ونسب، فيهن من أمهات المؤمنين وكفى بذلك شرفاً….
ويفهم من هذا الحديث أنّ الإسلام لا يشيطن هذه الأجناس ولا يكرهها، وقد فرض عليهم الجزية مقابل فرض الزكاة على المسلمين، بل إنّ الزكاة لا تسقط عن المسلم في حين أنّ الجزية تسقط إن كان في المسلمين ضعف وهوان أو كان الكتابي فقيراً، فهي مقابل حمايته وحفظ ضروراته الخمس، وارتضى الإسلام منهم هذا حتى يدخلوا في الإسلام عن قناعة واختيار وليس جبراً…
على مر التاريخ الإسلامي لم يطرد المسلمون النصارى ولم يفرغوا الأراضي من أهاليها، وعاش النصارى واليهود في ظل الحكم الإسلامي الذي وضع ضوابط عيشهم في ما يسمّى بجزيرة العرب فقط، بخلاف غيرها من بلاد المسلمين كالعراق ومصر والشام، وقد فصل العلماء في ذلك اعتماداً على شواهد ومرويات تثبت وجودهم بحسب الطرق الشرعية..
نص العلماء على عدم شرعية معاقبة آحاد طائفة بسبب ما يقترفه بعض أفراد تلك طائفة، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وليس من العدل والتقوى المأمور بهما أن يحل العذاب بمن لم يقترفه، قال العلامة ابن كثير في أحداث سنة 767هـ…
وبالفعل انطلقت الحملة الصليبية القبرصية يقودها بطرس الأول بنفسه ووصلت إلى الإسكندرية يوم الأربعاء 22 محرم سنة 767هـ كان من صدى الحملة أيضاً عند المسلمين، مما دفع السلطان الأشرف لأن يصدر قراراً بالقبض على نصارى الشام ومصر كلهم، وأخذ ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الإسكندرية، ولتجهيز جيش جديد وأسطول بحري لغزو قبرص واستنقاذ أسرى المسلمين.
ورغم أ نه قرار سلطاني وبحق النصارى الذين قام إخوانهم في الصليب بارتكاب تلك المجزرة، إلاّ أنّ أهل العلم ومنهم العلاّمة ابن كثير، قد رفضوا هذا القرار وأوضحوا أنه لا يجوز شرعاً. وهذا موقف أهل الإسلام المنصف…
وكذلك يستحضر في مسألة فرض الجزية على المواطنين اليوم فهم الصحابة رضي الله عنهم للجزية وإسقاطهم لها، في مواقف تؤكد على أننا في حالة يجب أن يراعى فيها ضعف المسلمين وتشويه الإسلام ومن قاتلنا ومن لم يقاتلنا ومن قاتل معنا.
وبخاصة أنّ سيدنا عمر بن عبد العزيز قال عبارته المشهورة: «إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً»، لما رأى بعض الولاة أن أهل الذمة يدخلون في الإسلام هرباً من الجزية، لم يقبلوا منهم ذلك…
وبناء على ما تقدم فإننا نرى أن تهجير نصارى الموصل جريمة يبرأ منها الإسلام ولا يقرّها أهله المنصفون العادلون. ورحم الله خلفاء الإسلام الذين أثبتوا فهمهم للدين ومنهجهم الإنساني الذي يتفق مع قواعد الإسلام فبلغوه ولم يصدوا عن سبيله بمغامرات واجتهادات ساذجة، وكان الله في عون المسلمين والله من وراء القصد.


إصلاح الخطاب الإسلامي .. واجب


الشيخ جمال الدين شبيب
رئيس الهيئة الإسلامية للإعلام
إن معضلة «السلطة على النص الدينى»، أى من يمتلك حق الحديث باسم الدين، كانت مشكلة قديمة وما تزال تعترض سبيل كل حركات الإصلاح الدينى فى الشرق، وسببا أساسياً لاخفاقاتها المتكرر.
ولعل القرار الذي صدر مؤخراً عن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ويمنع فيه الظهور الإعلامي للمعممين السُّنة إلا بتكليف رسمي منه يضع اليد على جرحنا المزمن النازف.
فمن يجروء اليوم على انتقاد أي خطاب متطرف يرتدي صبغة " دينية " ولو مزيفة ؟! كم هائل من الخطب الدينية العشوائية – المتناقضة – في مقاربة الواقع وتحليله او شرح النص الديني وتفسيره.. من يجروء على النقد أو التقويم أو المراقبة الذي هو من صلب عمل المؤسسة الدينية الرسمية..
دراسة حديثة نشرت في جريدة النهار اللبنانية قامت بتحليل عشرات خطب الجمعة واعتمدت المقابلات مع ائمة لبنانيين وعرب وخليجيين. لتخرج بنتيجة تؤكد امرا واحدا: الحاجة الى اصلاح ديني على الأقل في لبنان كبلد متعدد الطوائف.
الفكرة ليست جديدة، لكنها اليوم أكثر إلحاحاً. وفي ميزان علم الاجتماع علينا من أجل تحقيق الإصلاح المنشود أن نبدأ على الفور بإعادة النظر اولا في المناهج التعليمية في كليات الشريعة التي تخرّج العلماء والخطباء، وأن ندخل اليها ثانياً ادوات العلوم الاجتماعية وابحاثها. وفي الوقت نفسه، يجب ان يكون هناك توجه لدى البحاثة في العلوم الاجتماعية الى التعامل مع الظاهرة الدينية بجدية اكبر.
وقد أجريت دراسات عملانية هامة في هذا المجال طرحت أسئلة عدة: "ما مواصفات الخطباء في لبنان ومؤهلاتهم الاكاديمية؟ ما المواضيع المثارة في خطبهم؟ وما نوع الحجج المستخدمة لاقناع الآخر؟"، وذلك في اطار مقابلات مع 35 إماماً، الى جانب تحليل 88 خطبة جمعة اختيرت انطلاقا من كونها تغطي جمهور 3 جماعات اسلامية سنية كبيرة (نيسان- حزيران 2013)، واستقيت من 3 اذاعات سنية دينية كبيرة في لبنان عمدت الى بثها.
تظهر الدراسة ان الخطبة لا تكتفي بتذكير المستمعين بالعبادات والأخلاق الإسلامية، ولكن أيضا تحلل الظاهرة الاجتماعية والسياسية. وقد اهتمت بكيفية تقديم الخطب الظواهر الاجتماعية (الزواج المدني، الفقر مثلا)، والسياسية (الوضع في سوريا مثلا)، والموضوعات المتناولة فيها، من دون استخدام أدوات العلوم الاجتماعية، وبانزلاقات تجاور الطائفية.
ثمة اختلافات كبيرة بين مختلف الجماعات الاسلامية، ولكل جماعة خطباؤها " الرسميون" وبما ان بعض الخطباء لا يتفقون بالضرورة على كثير من المفاهيم الرئيسية، يصبحون مسيسين على نحو متزايد. وبينما يتبين ان نصف الخطباء المستجوبين تخرجوا في مدارس وجامعات دينية، نادرون هم من يستخدمون المعرفة في العلوم الاجتماعية وأدواتها، بغية تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية وتشخيصها. وهذا الامر يؤكد اكثر اهمية درس معارف الخطباء وكفاءاتهم وممارساتهم في المؤسسات الدينية.
ووجود خطباء مسيسن من أصحاب " الكاريزما" ساهم في تحوُّل بعض الشباب السنّة بسهولة من أنصار لقيم العدالة الانسانية العالمية الى دعم المنظمات والجماعات التي تنتهك القيم الاسلامية كالجماعات المتطرفة الارهابية التي تقصي الآخرين لكونهم كفارا. ومن خلال تحليل الخطب، لاحظ من قاموا بالدراسة ان "هناك احيانا ميلا واضحا وانزلاقات في بعض القضايا المطروحة، كتعزيز الطائفية والدعوة الى ارساء اسلوب حياة الحكم الاسلامي التاريخي وقوانينه. وهذا الامر لا يتعلق بالسنّة فحسب، انما ايضا بالشيعة".
وفي المحصلة أقول رغم سوداوية المشهد  أعتقد أنه لم يفت الأوان وأن الاصلاح الديني ممكن كذلك يمكن تحصين الناس ضد الفكر القمعي المنتشر عبر جماعات التطرف والعنف.
وأعتقد أن لبّ المشكلة يكمن في التربية طويلة الأمد - التي تنتج عن كثير من الخطب العشوائية والانفعالية غير الموزونة - على عدم احترام الآخر والاحكام القطعية. وهنا تكمن اهمية دور المساجد. لا اقول ان كل الجوامع في لبنان تقوم بهذا الامر، لكن بعضها، ولو بطريقة غير مباشرة.
إذن لابد من إصلاح محتوى الخطاب الدينى في المساجد ابتداءً كشرط أساسي لمكافحة التطرف والإرهاب لا بد من ضبط ومتابعة وتقويم وإشراف على هذا الخطاب.
بل يجب -إذا اقتضى الأمر- أن ننزع عن هذا الخطاب المتطرف وعمن ينتجه صفة القداسة الموهومة، ونستعيد للعقل حريته فى ما يعتنق ويجب أن تتحمل المؤسسة الدينية الرسمية دار الفتوى والأزهر مسؤوليتهما عنه، دون انسحاق أمام أى سلطة تحاول احتكار النص الدينى، أو تجييره لمصالح سياسية أو حزبية ضيقة.
وفق الله القائمين على الأمر لما فيه صلاح البلاد والعباد.

-         أنظر (الخطاب الديني في لبنان - هالة حمصي- جريدة النهار-24-3- 2015)