الجمعة، 3 أبريل 2015

إصلاح الخطاب الإسلامي .. واجب


الشيخ جمال الدين شبيب
رئيس الهيئة الإسلامية للإعلام
إن معضلة «السلطة على النص الدينى»، أى من يمتلك حق الحديث باسم الدين، كانت مشكلة قديمة وما تزال تعترض سبيل كل حركات الإصلاح الدينى فى الشرق، وسببا أساسياً لاخفاقاتها المتكرر.
ولعل القرار الذي صدر مؤخراً عن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ويمنع فيه الظهور الإعلامي للمعممين السُّنة إلا بتكليف رسمي منه يضع اليد على جرحنا المزمن النازف.
فمن يجروء اليوم على انتقاد أي خطاب متطرف يرتدي صبغة " دينية " ولو مزيفة ؟! كم هائل من الخطب الدينية العشوائية – المتناقضة – في مقاربة الواقع وتحليله او شرح النص الديني وتفسيره.. من يجروء على النقد أو التقويم أو المراقبة الذي هو من صلب عمل المؤسسة الدينية الرسمية..
دراسة حديثة نشرت في جريدة النهار اللبنانية قامت بتحليل عشرات خطب الجمعة واعتمدت المقابلات مع ائمة لبنانيين وعرب وخليجيين. لتخرج بنتيجة تؤكد امرا واحدا: الحاجة الى اصلاح ديني على الأقل في لبنان كبلد متعدد الطوائف.
الفكرة ليست جديدة، لكنها اليوم أكثر إلحاحاً. وفي ميزان علم الاجتماع علينا من أجل تحقيق الإصلاح المنشود أن نبدأ على الفور بإعادة النظر اولا في المناهج التعليمية في كليات الشريعة التي تخرّج العلماء والخطباء، وأن ندخل اليها ثانياً ادوات العلوم الاجتماعية وابحاثها. وفي الوقت نفسه، يجب ان يكون هناك توجه لدى البحاثة في العلوم الاجتماعية الى التعامل مع الظاهرة الدينية بجدية اكبر.
وقد أجريت دراسات عملانية هامة في هذا المجال طرحت أسئلة عدة: "ما مواصفات الخطباء في لبنان ومؤهلاتهم الاكاديمية؟ ما المواضيع المثارة في خطبهم؟ وما نوع الحجج المستخدمة لاقناع الآخر؟"، وذلك في اطار مقابلات مع 35 إماماً، الى جانب تحليل 88 خطبة جمعة اختيرت انطلاقا من كونها تغطي جمهور 3 جماعات اسلامية سنية كبيرة (نيسان- حزيران 2013)، واستقيت من 3 اذاعات سنية دينية كبيرة في لبنان عمدت الى بثها.
تظهر الدراسة ان الخطبة لا تكتفي بتذكير المستمعين بالعبادات والأخلاق الإسلامية، ولكن أيضا تحلل الظاهرة الاجتماعية والسياسية. وقد اهتمت بكيفية تقديم الخطب الظواهر الاجتماعية (الزواج المدني، الفقر مثلا)، والسياسية (الوضع في سوريا مثلا)، والموضوعات المتناولة فيها، من دون استخدام أدوات العلوم الاجتماعية، وبانزلاقات تجاور الطائفية.
ثمة اختلافات كبيرة بين مختلف الجماعات الاسلامية، ولكل جماعة خطباؤها " الرسميون" وبما ان بعض الخطباء لا يتفقون بالضرورة على كثير من المفاهيم الرئيسية، يصبحون مسيسين على نحو متزايد. وبينما يتبين ان نصف الخطباء المستجوبين تخرجوا في مدارس وجامعات دينية، نادرون هم من يستخدمون المعرفة في العلوم الاجتماعية وأدواتها، بغية تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية وتشخيصها. وهذا الامر يؤكد اكثر اهمية درس معارف الخطباء وكفاءاتهم وممارساتهم في المؤسسات الدينية.
ووجود خطباء مسيسن من أصحاب " الكاريزما" ساهم في تحوُّل بعض الشباب السنّة بسهولة من أنصار لقيم العدالة الانسانية العالمية الى دعم المنظمات والجماعات التي تنتهك القيم الاسلامية كالجماعات المتطرفة الارهابية التي تقصي الآخرين لكونهم كفارا. ومن خلال تحليل الخطب، لاحظ من قاموا بالدراسة ان "هناك احيانا ميلا واضحا وانزلاقات في بعض القضايا المطروحة، كتعزيز الطائفية والدعوة الى ارساء اسلوب حياة الحكم الاسلامي التاريخي وقوانينه. وهذا الامر لا يتعلق بالسنّة فحسب، انما ايضا بالشيعة".
وفي المحصلة أقول رغم سوداوية المشهد  أعتقد أنه لم يفت الأوان وأن الاصلاح الديني ممكن كذلك يمكن تحصين الناس ضد الفكر القمعي المنتشر عبر جماعات التطرف والعنف.
وأعتقد أن لبّ المشكلة يكمن في التربية طويلة الأمد - التي تنتج عن كثير من الخطب العشوائية والانفعالية غير الموزونة - على عدم احترام الآخر والاحكام القطعية. وهنا تكمن اهمية دور المساجد. لا اقول ان كل الجوامع في لبنان تقوم بهذا الامر، لكن بعضها، ولو بطريقة غير مباشرة.
إذن لابد من إصلاح محتوى الخطاب الدينى في المساجد ابتداءً كشرط أساسي لمكافحة التطرف والإرهاب لا بد من ضبط ومتابعة وتقويم وإشراف على هذا الخطاب.
بل يجب -إذا اقتضى الأمر- أن ننزع عن هذا الخطاب المتطرف وعمن ينتجه صفة القداسة الموهومة، ونستعيد للعقل حريته فى ما يعتنق ويجب أن تتحمل المؤسسة الدينية الرسمية دار الفتوى والأزهر مسؤوليتهما عنه، دون انسحاق أمام أى سلطة تحاول احتكار النص الدينى، أو تجييره لمصالح سياسية أو حزبية ضيقة.
وفق الله القائمين على الأمر لما فيه صلاح البلاد والعباد.

-         أنظر (الخطاب الديني في لبنان - هالة حمصي- جريدة النهار-24-3- 2015)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق