السبت، 30 سبتمبر 2017

الهجرة ذكرى وعبرة

إعداد/ الشيخ جمال الدين شبيب

تحل علينا في هذه الأيام السنة الهجرية الجديدة، وتتجدد بحلولها ذكرى هجرة المؤمنين وعلى رأسهم رسول الله (ص)من مكة إلى
 المدينة، هذا الحدث العظيم الذي فصل بين مرحلتين مهمتين في تاريخ الدعوة الإسلامية وأسس لبناء مجتمع جديد بمفاهيم جديدة.
ونحن نستعيد هذه الذكرى ونستحضر تفاصيل الحدث يلزمنا أن نستقرئ النصوص التي موضوعها الهجرة والنصرة لنقف على معانيها وحقيقتها وأبعادها، ونجعلها عبرة نعتبر بها في يومنا وإن بعد الزمن بيننا باعتبار أن الهجرة والنصرة ليستا حركتين تاريخيتين انتهتا ولكن الهجرة والنصرة معناهما عام ومستمر صالح لأن يطبق في كل مكان وزمان. إذ أن معاني القرآن غير متناهية.
في القرآن الكريم نجد الله أثنى على المهاجرين والأنصار وأظهر لنا الأعمال التي قدموها وأهلتهم لهذا المقام، أما المهاجرون المؤمنون من مكة فقد خرجوا من ديارهم وبيوتهم تاركين أموالهم وتجارتهم ومصادر عيشهم وأمتعتهم فرارا بدينهم بعد أن اشتد البلاء عليهم من طرف المشركين الذين أفرطوا في القتل والتعذيب والإيذاء والاستهزاء والسخرية، وقابلوا ذلك بصبر ثابت وعزم عنيد على مواجهة عناء الهجرة ومتاعبها وأخطار طريقها ليسلم لهم دينهم الذي ارتضوه، ونذروا حياتهم في سبيل الله و نصرة رسول الله ساعة العسرة فكانوا من السابقين الأولين، أولئك هم المقربون.
وفي الطرف الآخر نجد الأنصار الذين استجابوا لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه وحموه مما يحمون منه ذريتهم ونسائهم، فالنصرة ولاية وإيواء وبذل وعطاء واستعلاء فوق طمع النفوس وشحها قال تعالى: ( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) الحشر9
وكان الجزاء من جنس العمل رزقهم الله رزقا كريما حسنا ووجدوا في الأرض مراغما كثيرا وسعة وبوأهم في الدنيا حسنة وأجر الآخرة أكبر.
 شهد الله لهم بالإيمان الحق وقال عنهم:( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم) الأنفال 75، كفر عنهم سيئاتهم وغفر لهم وتاب عليهم ورضي عنهم وبشرهم بالرحمة وأدخلهم جنات لهم فيها نعيم مقيم ورفع لهم الدرجات.
وما الذي يطمع فيه العبد من ربه أكثر من ذلك؟ لقد فازوا بالسبق وحق لهم، فهل لنا من نصيب؟.
يقول الله تعالى: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) التوبة 117
فهنيئا للمهاجرين والأنصار..
وهنيئا لأمة الإسلام هذه الذكرى العطرة.
وكل عامة وأمة الإسلام بخير وأمن وسلام.

الإمام الحسين .. ريحانة رسول الله (ص)

إعداد / الشيخ جمال الدين شبيب
ولد الإمام الحسين رضي الله عنه في الخامس من شعبان في السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنورة.
 روي ان الحسين عندما ولد سر به جده صلى الله عليه وسلم سروراً عظيماً وذهب إلى بيت الزهراء رضي الله عنها وحمل الطفل ثم قال: ماذا سميتم ابني؟ قالوا: حرباً فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم حسيناً.
أدرك الإمام الحسين رضي الله عنه ست سنوات وسبعة أشهر وسبعة أيام من عصر النبوة حيث كان فيها موضع الحب والحنان من الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يداعبه و يضمه و يقبله.
وكان صلى الله عليه وسلم يلقاه في الطرقات مع بعض لداته فيتقدم الرسول صلى الله عليه وسلم أمام القوم ويبسط للغلام يديه والغلام يفر هنا وهاهنا والرسول صلى الله عليه وسلم يمازحه ويضاحكه ثم يأخذه فيضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ويقبله وهو يقول صلى الله عليه وسلم: "حسين مني وأنا من حسين".
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل في صلاته حتى إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره وكان صلى الله عليه وسلم يطيل السجدة فيسأله بعض أصحابه انك يا رسول الله سجدت سجدة بين ظهراني صلاتك أطلتها حتى ظننا انه قد حدث أمر او انه يوحى إليك فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته).
كان الإمام الحسين مازال صغيراً عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلمثم ماتت أمه الزهراء رضي الله عنها وارضاها.
عندما بويع ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالخلافة كان الإمام الحسين قد تجاوز العشرين من عمره. وقد كان رضي الله عنه عابداً، زاهداً، عالماً، شجاعاً وحكيماً وسخياً.
كان الإمام الحسين رضي الله عنه في طليعة الجيش الذي سار لفتح طبرستان بقيادة سعد بن أبى وقاص وقاتل رضي الله عنه في موقعة الجمل وموقعة صفين وقاتل الخوارج وتنقل مع جيوش المسلمين لفتح افريقيا وغزو جرجان وقسطنطينية ويؤكد المؤرخون أن الإمام الحسين زار مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جيش الفتح الإسلامي.
وضع الإمام الحسين نصب عينيه نصيحة أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما أوصاه والإمام الحسن قبل وفاته قائلاً: (أوصيكما بتقوى الله ولا تطلبا الدنيا وإن طلبتكما ولا تأسفا على شئ منها زوي عنكما افعلا الخير وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً).
بعد وفاة الخليفة الأموي معاوية في نصف رجب سنة ستين، وومبايعة الناس ليزيد بن ، كتب يزيد للوليد ابن عتبة مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري، وهو على المدينة: (أن ادعُ الناس، فبايعهـم وابدأ بوجوه قريـش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن عليّ، فإن أمير المؤمنين رحمه الله عهد إليّ في أمره للرفق به واستصلاحه). فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، فأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة ليزيد، فقالا: (نصبح وننظر ما يصنع الناس).
ولكن الإمام الحسين لم يقبل أن تتحول الخلافة الإسلامية إلى ارث وأبى أن يكون على رأس الإسلام فتى فاسق ظالم كيزيد ابن معاوية فرفض أن يبايعه ولم يعترف به.
وقد التقى الوليد بالحسين رضي الله عنه وطلب منه البيعة ليزيد فرفض الحسين بينما ذهب عبد الله بن الزبير إلى مكة لاجئاً إلي بيت الله الحرام وبايع هناك عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
وفي المدينة بعد أن رفض الحسين رضي الله عنه مبايعة يزيد ذهب مروان ابن الحكم شيخ الامويين إلى الوليد ولامه لأنه أذن للحسين بالانصراف من مجلسه ولم يشدد عليه ولم يحبسه (حتى يبايع او تضرب عنقه)
وهنا يقول الحسين لمروان: (أأنت تضرب عنقي؟) ثم التفت إلى الوليد وقال:
(يا أمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد فاسق فاجر شارب خمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسوق والفجور ومثلي لا يبايع مثله).
وخرج الإمام الحسين رضي الله عنه إلى مكة وعرف الناس موقفه ورفضه بيعة يزيد وهنا تتقاطر عليه الرسل من المسلمين عامة وأهل الكوفة خاصة يبايعون الحسين بالخلافة وشدد أهل الكوفة على الإمام الحسين رضي الله عنه أن يأتي
إليهم ويعدوه أن يناصره ويقاتلوا معه.
وهنا اعتزم الإمام الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى الكوفة بعد أن مكث فيمكة المكرمة أربعة اشهر. واستشار الإمام الحسين رضي الله عنه أصحابه فحاولوا أن يثنوه عن عزمه وقال له ابن الزبير رضي الله عنهما (لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر – يعني الخلافة - هنا لما خالفناك وإنما ساعدناك وبايعناك ونصحناك). فأجاب حفيد رسول الله قائلاً: (إن أبى حدثني أن لها – أي مكة المكرمة - كبشاً تستحل به حرمتها فما أحب أن أكون هذا الكبش). وقبل أن يخرج رضي الله عنه إلى الكوفة أرسل ابن عمه مسلم ابن عقيل ليمهد له ويتحاور مع أهل الكوفة ويرى إن كانوا جادين في نصرته رضي الله عنه فأرسل إليه ابن عقيل يدعوه إلى المجيء إلى الكوفة فصمم الإمام على المسير إلى الكوفة .
 علم جواسيس يزيد بأمر مسلم ابن عقيل فغير والي الكوفة النعمان بن بشير ليأتي بدلاً منه عبد الله بن زياد وتضم البصرة إليه وقد كان عبد الله بن زياد من أم مجوسية تدعى مرجانة وكان ألكن اللسان وهو من أعوان يزيد الذين قال عنهم العقاد في كتابه (أبو الشهداء الحسين بن علي): جلادين وكلاب طراد في صيد كبير.
وقد استخدم عبد الله بن زياد في أهل الكوفة صنوف التعذيب والإرهاب والقتل والصلب حتى انفضوا عن مسلم بن عقيل وحاول مسلم تحذير الإمام الحسين رضي الله عنه ولكن أعوان ابن زياد قبضت على الرسل ولم تصل الرسالة إلى الإمام الحسين رضي الله عنه.ثم قبض على مسلم وقتل في قصر ابن زياد في التاسع من
ذي الحجة عام 60 هـ.
وسار الإمام الحسين إلى الكوفة ومعه 72 او 82 من الجند فلقي ألف فارس يتقدمهم الحر بن يزيد الرياحي الذي بعث به ابن زياد بتعليمات محددة وهي أن يصاحب الإمام الحسين إلى الكوفة ولا يقتله فان أبى فليأخذ طريقاً لا يقدمه الكوفة ولا يرده إلى المدينة.
وحذّر الحرّ الإمام الحسين من قتال ابن زياد. وانطلق الركبين وأثناء ذلك أرسل ابن زياد إلى الحر يأمره ألا ينزل ركب الحسين رضي الله عنه إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء فأشار بعض أصحاب الحسين رضي الله عنه عليه بالقتال ولكنه رضي الله عنه رفض أن يبدأهم بقتال. وحين وصل الركب إلى كربلاء استشعر الحر بن يزيد ان المراد قتل الحسين رضي الله عنه فترك الحر الجيش وذهب إلى الإمام الحسين رضي الله عنه قائلاً:
(جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك منعتك من الرجوع وجعجعت بك في هذا المكان وما ظننت القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ووالله لو علمت انهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت وإني تائب إلى الله مما صنعت فهل ترى لي من توبة؟ " فقبل الحسين عذره".
وقد قاتل الحر رضي الله عنه مع الإمام الحسين رضي الله عنه حتى استشهد في العاشر من المحرم سنة 61 هـ.
وقد ترددت روايات كثيرة حول رأس الإمام الحسين رضي الله عنه فمنهم من قال انها دفنت بالبقيع عند قبر السيدة فاطمة ومنهم من قال بدمشق ومنهم من قال بالقاهرة بمصر وترى الدكتورة سعاد ماهر أن أقوى الآراء هو الذي يقول أن الرأس طيف به في الأمصار الإسلامية حتى وصل إلى عسقلان ثم تقدم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمصر فدفع 30 ألف درهم واسترد الرأس الشريف ونقله إلى القاهرة ويؤيد  أن الرأس بالقاهرة ابن كثير وابن خاكان وابن بطوطة والكثيرون.
رحم الله الإمام الحسين رضي الله عنه حفيد سيد الخلق صلى الله عليه وسلمgالذي ضرب لنا المثل في من يدافع عن قضية حق ويدفع حياته ثمناً لمبدأ حق رضي الله عنه وأرضاه.


عاشوراء الإمام الحسين

إعداد/ الشيخ جمال الدين شبيب


تاريخ عاشوراء معروف لا ينسى، سبب ثورة الحسين معروف لا يغيب، باختصار،إن الإمام الحسين (ر) رأى الانحراف في  جسد الأمة - وهذا ما لم ينكرهاحد ممن قرأ وفهم ووعى تاريخ تلك المرحلة -  رأى  الحسين ذلك  فسعى لإصلاحه، مالكان  يريد أن يحقق  جاها ولا فخراً ولا موقعاً.. ..وهل يحتاجسليل النبوة  وسيد شباب أهل الجنة وخامس أهل الكساء،  هل يحتاج إلى مجدزائل وإلى موقع لا يبقى...
 في هذه الذكرى تختلط المشاهد ففيها يبرز مشهد السمو والارتقاء  الإنسانيالمليء بالعنفوان والبطولة ، تمثل في السيدة زينب وهي تقرّع  كبرياء يزيدوهي في حالة عاطفية ونفسية وجسدية لا يقوى أمامها أحد من البشر إلا أن ينهار بعد رحلة طويلة من السبي والرأس الشريف لأخيها الحسين امامها،  إلاأن زينب حلقت بإنسانيتها وتسامت وقالت ليزيد  : "فكِد كيدك، واسعَ سعيك،وناصِب جهدك، فإنك لن تمحو ذكرنا، ولن تميت وحينا" .
وفي المقلب الآخر كانت الصورة مختلفة ..كان المشهد مغايراً  مشهد  السقوطوالانحدار  والانهيار المريع الذي أصاب الأمة الإسلامية آنذاك، فيزيد الفاسق الشارب للخمر يُكرّس بعد هذه الفاجعة  خليفة للمسلمين وأميراعليهم، بعد أن  تخلص ممّن كان يشكل وجوده خطرا عليه .
تخيلوا المشهد؛ الأمة التي أفنى رسول الله حياته لأجلها،يبلّغ شرع اللهويركز أحكامه ويصوغ إنسانه ويفسر قرآنه من أجل تثبيت الاستقامة وإحقاقالعدل  ..  ها هو  خليفة المسلمين هو أول من يجاهر بالحرام يشرب الخمر،يتجاوز حدود الله ،يظلم ويفجر ويصل به الحد لطلب المبايعة من  الحسين ،يريد بكل  صلافة أن يأخذ شرعيته من ابن بنت رسول الله ..
كان يزيد مراهقا فاسدا أراد ان يحظى بان يكون هو الوصي على الدين والقيموالمبادئ  أي  سقوط في هذا للأمة وأي نكسة وكارثة كادت تحصل ... لولا انمنّ الله على الأمة بالحسين ليقف موقف البطولة والفداء ليعطل مشروع انحراف كاد أن يطيح كل مكتسبات الرسالة والدعوة الإسلامية والعودة بالأمة الى جاهليتها ..
عندما غادر رسول الله الحياة كان يعتقد أنه تارك في الناس صمامي أمان، ماإن تمسكوا بهما فلن يضلوا بعدهما أبدا : كتاب الله وعترته أهل بيته ..كتاب الله وسنته .. المشهد على مستوى الواقع الإسلامي كان  قاتماً ومظلما.. وحدهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة شكلوا نقطة الضوء ومبعث الأمل، ليس لمجرد القرابة بل لأنهم كانوا الملاذ لكل طالبي حق وعدل واستقامة ولكل من أراد أن يرى كيف يتحرك الدين ويتمثل إنسانا في ساحة الحياة...
لقد كان الحسين(ر) واعياً منذ انطلاقته لحجم الدور فهو لم يثر فقط لشخصيزيد بل لصمت أمة،  وخذلان رسالة،   وعفن  أصاب القلوب، وصدأ أصابالعقول،  ولحمية انطفأت  … وغيرة جُيّرت  لأجل  كل هذا ثار الحسين، وفياستشهاده أراد أن يهز كل هذا الواقع من ركوده ...
نعم ما دفع الحسين أخذ قراره بالسير في مشروع الثورة حتى النهاية وهويدرك حجم المخاطر والتضحيات أنه كان ينظر ليس فقط لحاضر الأمة بل أيضالمستقبلها ..كان يريد أن يوقظها من سباتها وأن يخرجها من صمتها ...ويذكر المؤرخون كيف عمل السلطة الأموية بجد لتثبيت هذا المنطق في الأمة..منطق الصمت والقبول بالواقع, ولم يوفروا أي وسيلة ...
أولها: ترسيخ قناعات خاطئة تتصل بالعقيدة زرعوها وحوّلوها الى عقائد مثل:المكتوب لا يمكن أن نقف في وجهه والله قدّره...  نعم، الأمويون هم منروجوا لفكرة الجبرية، فسادَ منطق  أن الاعمال كلها حتى السيئة هي بارادةالله ومن يقف في وجهها يعترض على مشيئته ..فسكت الناس..
 وثانياً:  روجوا لروايات ابتدعوها عن عدم جواز الخروج على الحاكم حتى لوكان جائراً.. ومن يخرج عليه فهو ظالم وباغ وباعث للفتنة..كما شهدت هذه المرحلة تزويراً ودسا لأحاديث كثيرة نسبت إلى رسول الله..
وثالثاً: أغدقوا على الأنصار والأتباع المال السياسي الذي تم من خلالهشراء الضمائر والمواقف وشراء السكوت، وقد اشتهر الأمويون بإغداق الأعطيات لجماعتهم، و لجذب المعارضين إليهم  ولهذا عم الفساد واستشرى.
 ورابع هذه الاسباب : السيف والعنف والقمع والبطش وصولا لقطع الألسن..مما زرع الخوف والرعب في النفوس  والقلوب...
استطاعوا أن يحولوا المجتمع الإسلامي من مجتمع يعيش القيم والمبادئوالتضحية من أجلها إلى مجتمع خنوع ذليل، همّه السلامة والدينار، إلىمجتمع يباع ويشترى..
 وتذكر سيرة عاشوراء كيف ان عبيد الله بن زياد والي يزيد على الكوفة..عندما أراد أن يواجه حركة مسلم بن عقيل.. وقف أمام الناس وهو يحمل صرة النقود بيد والسيف بيد وقال: المال لمن يترك مسلم بن عقيل والولاء للحسين، والسيف ينتظر من  يقف في وجهي.عندها راحت المرأة تخذل ابنها وزوجها، والزوج يخذل زوجته حتى تفرق الناس
خوفاً وطمعاً..
لهذا كله وجد الحسين (ع) ان واقع الأمة بات يحتاج الى زلزال الى صدمة ..تهزّ كل هذا الذل وهذا الخنوع… عليه ان يحوّل المسار و يقلب الصورةفكانت عاشوراء بكل آلامها وآمالها ومآسيها وبطولاتها..في كربلاء لم يستطع الحسين (ر) أن يحقق نصراً عسكرياً، ولم يقدر علىتحقيق هدفه بإسقاط حكم   وإعادة الحق إلى نصابه، لكن الحسين (ر) استطاعأن يرسم للأمة منهجاً، وهو أن ترفض الظلم والطغيان، في أي موقع كانالحاكم سواء أكان كبيراً أو صغيراً.. أن ترفع صوتها في وجه ظالمها..بالكلمة أو الموقف أو المواجهة .. فلا وجود في منطق الحسين(ر) للأكثرية الصامتة، الأكثرية الصامتة في موقع الظلم والطغيان هي شريكة للظالم بسلبيتها..
لقد أراد الحسين (ر) للأمة أن تستيقظ، فإن لم تستطع أن تسقط الظالم فعلى الأقل أن تنخر في عرشه من خلال عدم إعطاء الشرعية له، ان لا تدعه يرتاح أن تقلقه ولو سبب لها آلاماً وتضحيات.
 لقد علمنا دم الحسين (ر) وعلمتنا مواقف الحسين، وآلام وجراحات أهل بيتهوأصحابه أن نكون معنيين بكل مفردات واقعنا.. أن لا ننأى بأنفسنا عما يجري من حولنا..

أن لا نسكت على ظلم ظالم مهما كان .. . أن لا نبيع ديننا أو مواقعنا ومبادئنا لحساب دنيا فانية ونعيم زائل..