الأربعاء، 27 مايو 2009

<< بروباغندا >> صيداوية

كلما حمي وطيس المعركة الانتخابية في صيدا .. كلما أمعنت الأطراف المتصارعة في استحضار << البروباغندا >> أي الدعاية الانتخابية .. والتي كانت في الماضي تكتفي بصورة الزعيم مذيلة بلقب الـ<< البكاوية >> .. أو توقيع شعارات قديمة جديدة على الجدران بالفحم أو الطلاء الأسود .. يوم كانت الصور متوسطة الحجم مطبوعة بالأبيض و الأسود أو الأزرق أو الأحمر لون واحد فقط .. أو مرسومة باليد..
أما اليوم فقد تغيرت الأمور وصارت الصورة الملونة سيدة الموقف بأحجامها الكبيرة وأنواعها المتعددة << بانوهات >> و << فينيل >> .. بعد صقلها وتزيينها عبر فن << الفوتو شوب >> حتى صارت تحاكي الزعيم بل وأحلى..
لا شك أن أهلنا من كبار الصيداويين المعمرين لو سمعوا بهذا الكلام لظنوا أنها أسماء لعفاريت تغزو المدينة من قبائل الجن ..فصيدا الطيبة تعيش اليوم وسط غابة <<البروباغندا>> الزاحفة من مدخلها الشمالي الى شوارعها التي اتسعت بعد ان دخلها العمران ..
ولعبة الصورة والشعار قديمة – جديدة .. تستحضر اليوم في صيدا من جميع الأطراف بحسب المنطلقات والأهداف .. فالزعيم الشعبي يحرص على التقاط الصور في الأسواق بهندامه المعتاد غير الممعن في السرف .. ودائماً مع العمال والكادحين في زيارات منظمة ومؤقتة تبرز حنانه وعطفه وحدبه على أبناء طبقته .. تارة يشرب الماء بإبريق الزجاج أو يتناول لقمة الفول على مدى الصورة في مطعم شعبي في البلد القديمة أو وسط مدينة العمال الصناعية.فهو ابن خط << نزيه ومعروف وحقاوي>>.
أما الزعيم القادم من وسط دنيا الإدارة والأعمال يجول قليلاً في السوق التجاري يحيي التجار ويصافح بعض المارة المقبلين باستغراب ودهشة لما يرونه من تواجد غير معتاد لزعيمهم ، دون أن يخفوا وجلهم من تعقيد الاجراءات المحيطة لأسباب لا تخفى ..
وإن كانت ساحة اللقاء الأوسع تبقى <<دارة العائلة >> التي احتضنت الترشيح كما احتضن المرشح مسيرة العملاق الراحل .. من مقاعد الدراسة حتى دروب الحياة ومفترقاتها الصعبة .. محافظاً على عهد الصداقة وفياً للمسيرة على قلة الأوفياء في عالم المال والأعمال.<< وما مننسى والسما زرقا >> و << مستمرون >>!
طوابير طويلة من الصيداويين شيباً وشباناً وفتيات لا تعوزهن الفتنة يتقاطرون للسلام بأجمل حلى وأبهى صورة وكانهن في عرس أو قل كلهن العروس .. ويتسابقون لأخذ الصورة مع الأحبة من الزعماء والكبار .. هذه الصورة التي يشوبها ظهور عنصر الأمن المدني المرافق فيخطف منهم حميمية الصورة حتى تبرد حرارة السلام وتضيق مساحة الابتسامة..
صور الشهداء << المستحضرين >> في المناسبات وحدها غائبة هذه الأيام ربما لأنها تبقى أسمى من أن يعبث بها فنانو << الفوتو شوب >> محافظة على شبابها ولحظتها بالأبيض والأسود.. كأنهم من عليائهم يتفرسون في الوجوه المتغيرة والمتلونة بحسب المقام ..و يتعجبون ..
بعد الثامن من حزيران القادم ستنفض الأعراس ويتوقف المصورون عن التقاط الصور وستستقبل جموع المهنئين لأيام معدودة هنا أو هناك ..
.. هكذا هي الحياة مكرٍّ مفرًّ مقبلٍ مدبرٍ # كجلمود صخر حطه السيل من علٍ
سيعود الجائع الى بيته يركض وراء لقمة العيش ويعود المتخم الى مائدته التي لم يفارقها يوماً إلا لعلةٍ ألمت به أو لمشاغل أخرتها عليه..
فيما ينصرف الزعماء متحدين أو منفردين لتدبير شؤون الرعية ووضع بنود الميزانية الجديدة وفيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ... من فنون الضرائب المباشرة وغيرالمباشرة ولا ننسى الـ TVA.
وسيعتذر الزعماء من كلا الفريقين .. من المواطن المسكين دائماً ..وسيغرقونه أسفاً لأن عليه معاناة تقنين قاسٍ مجدداً وتحمل قرارات صعبة ليصمد البلد أمام الأزمات المالية القادمة والمتفاقمة أصلاً فأمامنا دائماً استحقاقات صعبة علينا مواجهتها.
وفيما يستعد الجميع مجدداً لينطلقوا نحو محطة جديدة لا تفصلنا عنها سوى أشهر معدودة ..<< الانتخابات البلدية والاختيارية>> ..
سيتم تنفيذ بعض الوعود << المقدور عليها >> من هنا وهناك لزوم الحفاظ على الصادقين والأوفياء لجولة قادمة ..لكن دوامة الحياة ستعيد ابتلاعنا و همومنا كما ابتلع بحرنا نصف المدينة يوماً ليبقي على << جزيرتنا >> بعيدة عنا قريبة منا ..
وأياً يكن الفائز وأياً يكن مشروعه سنصافحه مهنئين .. ونمد أيدينا مجدداً الى جيوبنا لنحسب كم بقي من مال لآخر الشهر.. لأن أرض اللبن والسمن والعسل الواردة في العهد القديم . لايعيشها المرء إلا من حسابه.
وقبيل انتخابات الـ 2013 بقليل سنسمع كلام واضح من صيداوي عتيق يهمس متربعاً في زاوية النسيان. يوم نسأله عن شعارات أصحاب الصور ما تحقق منها وما لم يتحقق ويجيبنا بنبرة قوية : < .. ياعمي هيدي مجرد بروباغندا صيداوية ..>>

الجمعة، 22 مايو 2009

أراد أن يذكره التاريـخ .. !

مما ورد في كتب التراث أن أعرابيا جاء الى «مكة» - في صدر الاسلام - وتوجه من فوره الى بئر زمزم، وامام حشود العرب المسلمين الاوائل كشف عن عورته و.. بال في البئر! وحينما عنفوه ولاموه وضربوه، سألوه.. «لم فعلت ذلك»؟! فقال.. «أردت أن يذكرني الناس.. » !!
تذكرت هذا الاعرابي «البوّال» وما زلنا نذكره - و فعلته - حتى يومنا هذا ، بعد اكثر من الف واربعمائة عام على حدوثها!! وأنا أقرأ في صحيفة يومية هجوماً لاذعاً وربما موجعاً على شخصيات وجهات محترمة لمجرد وقوفها في المقلب الآخر انسجاماً مع قناعاتها وقيمها وتاريخها الناصع في الدعوة والجهاد وعدم انصياعها لترغيب وترهيب من يرغبون في اختصار الوطن والطائفة وحتى نسمة الهواء في شخصهم الكريم .. لو استطاعوا؟!
وأدركت بالبداهة أن اللجوء الى الافعال والاقوال - غير العقلانية يحدث حين يعجز المرء عن اقناع الآخرين بأهميته وقيمته وفائدته. فلا يجد الا فعلاً ممجوجاً، أو قولاً قبيحاً ليسري خبره بين الناس أياما وشهورا و.. دهورا!!
وأخطر ما في الأمر أن ينحدر بعض الصبية إرضاءً لسادتهم وكبرائهم إلى درك بالغ الانحطاط. عندما يحاولون تزوير الحاضر وتكذيب التاريخ لمجرد اختلاف حاد حاصل في ساحة ، كان الأجدر بأهلها أن يكونوا أكثر انسجاماً مع المبادىء فيوحدوا صفوفهم ويتابعوا النهوض بمشروعهم المميز. بدل التلهي بالإتكاء المرحلي على " الحيط " المايل..والاستيقاظ على صحوة ضمير - ولو جاءت متأخرة عشرات السنين - ليكتشفوا أنفسهم في أس طائفتهم ومذهبهم المهدد بخطر الاستلاب وأسعار السوق.
غداً سيكتب التاريخ وقلمه لا يرحم .. ويسجل ما كتبه ويكتبه أولئك الغلمان زوراً وبهتاناً في حق دعاة وعلماء وشخصيات ممن رفعوا رؤوسنا عالياً .. وما زالوا منذ وقفوا في وجه الاحتلال الاسرائيلي وقاوموا وضحوا وتحملوا الأذى من القريب والبعيد حتى أثمر النصر واندحر الاحتلال. فإذا بأعناق أهل النفاق تشرئب لتحطيم رؤوس فشل أسياد أسيادهم من الاسرائيليين والأمريكان في تمريغها بوحل الهزيمة.
ربما مشكلة أهل الدين والعلم والجهاد أنهم ثبتوا على نصرة الحق لا يخشون في الله لومة لائم.. ثبتوا على الحق الذي يرونه حقاً في الوقت الذي تذبذب في الآخرون حول باطلهم الذي يعرفون في قرارة أنفسهم أنه باطل .. يجمعهم الطبل والدولار .. وحتماً ستفرقهم يوماً العصا.!
ذنب هؤلاء العلماء العاملين المفترى عليهم بمناسبة وبدونها أنهم رفضوا الخوض في الفتنة وشرذمة الناس الى قبائل جاهلية وأحزاب مذهبية متناحرة يذبح بعضهم بعضا ويستحل بعضهم دماء وأعراض اخوانهم.. رفضوا << عرقنة لبنان>> واشعال ساحته بحروب طائفية ومذهبية مشبوهة .. ومدفوعة الأجر سلفاً.
لكن أكثر ما يمكن أن يحزن المرء رؤيته جوقة أهل الباطل بمالها وما كيناتها الاعلامية الضخمة توظف بعض المأجورين ممن مروا يوماً على ساحة عطرة فلم يزيّنهم مرورهم برائحة طيبة ! كالمار ببائع العطر فلا هو جلس ولا هو ابتاع بل راح ليبيع ما لايملكه .. شمة عطر لم يحافظ هو على طيبها في نفسه..!
..فإذا به وأمثاله من << المارة >> يستخدم مروره العابر تأشيرة دخول لنادي << الشتامين المستأجرين >> الذين سرعان ما ينتهي بهم الأمر الى سلة المهملات بعد أن يعود للناس صوابهم ويرشدوا الى مصلحة وطنهم الحقيقية التي تجبرهم على التسليم بمنطق الاعتدال والمشاركة في بناء الوطن وتحمل مسؤولية درء الأخطار عنه..
ولا أجد لأمثال هؤلاء الشتامين من مخرج إلا البراءة في الدنيا قبل الآخرة .. ومن يدري ربما يتبرأ منهم سادتهم وكبراءهم وبقرتهم الحلوب ويلعنونهم قبل صياح الديك في الدنيا .. وأكيد في الآخرة يوم يتبرأ الذين اتبعوا – بضم التاء- من الذين اتبعوا – بفتح التاء – .. فهل يرعوي هؤلاء فيحترموا أمانة القلم التي لوثت بما دبجته نوازع شهواتهم ، حتى سودوا حاضرهم بمداد الكذب والافتراء قبل أن يبدو لهم العذاب .. أو تتقطع بهم الأسباب .. ؟ فإن أبو فلهم ما أرادوا ..سيذكرهم التاريخ ولكن ..في كتابه الأسود.

الأربعاء، 13 مايو 2009

صيدا تستحق أكثر


أجواء الانتخابات في صيدا حامية هذه الأيام وبورصة المرشحين لا تستقر .. والكل يشعر بهمة ونشاط وحيوية معتبراً المعركة حاسمة ، ويسعى لحسم المعركة لصالح مرشحه..
ورغم الحيوية الظاهرة لا تخلو انتخابات من خيبة أمل .. لمرشح فاته قطار التحالفات ، أو ذاق طعم السقوط والفشل ، أو تذوق مرارة الطعن في الظهر في الأوقات الحرجة..
المهم الانتخابات فرصة لتغيير الوجوه.. أو تجديد الثقة و التعبير عن المحبة والولاء. في زمن تغير فيه الناس فلم يبق على الود إلا القليل ،ولا يحفظ العهد إلا الأقل النادر.
جميل أن تتصارع المشاريع والبرامج لمصلحة صيدا وأهلها وجوارها وكل من تفيأ ظلالها أو مر فيها.. فصيدا تستحق الكثير من البرامج " النائمة " في ادراج النسيان أو المغيبة بفعل المناكفات السياسية .. والتجاذبات التقليدية.
وجميل أن ينتشر الوعي الانتخابي بين الشباب على حدة الطبع فيهم ..وظلمهم بتغييبهم عن ممارسة حقهم في الانتخاب قبل بلوغهم الـ 20 عاماً.. ولعل هذا المنع يكون الأخير في عمر الدورات الانتخابية بعد الاعتراف بحقهم بعد الـ 2009 !!
وصيدا التي عرفت عجقة الانتخابات مبكراً من زمن الراحلين رياض الصلح وأنور البزري وصلاح البزري ومعروف سعد ونزيه البزري.
وصيدا التي عرفت الاصطفاف العائلي، والاصطفاف الطبقي، تتعرف اليوم على اصطفاف جديد.؟ تتنوع في الاصطفافات لتجمع أصنافاً لا تجتمع ! ولكنه لبنان الذي يصح فيه ولا يصح أبداً!
لكن وعي الناخب الصيداوي يبقى أكبر من كل اصطفاف والرهان على هذا الوعي كبير فصيدا حقاً تستحق نواباً يمثلونها .. قد يأتون من لون واحد أو من ألوان متعددة لكن الطيف الصيداوي بتلاوينه المختلفة كان في كل مرة يجمع أكثر مما يفرق..
قد يرى البعض أني ممعن في التفاؤل لدرجة لا تجوز..! لكن هذا هو الواقع الصيداوي.
قد تصح مقولة تحديد الأحجام بعد الانتخابات في مناطق كثيرة .. لكن صيدا تبقى عصية على هذا التحديد فقد يخسر البعض مقعداً نيابياً تحت تسوية أو ضغط ما. لكن حجمه السياسي وتأثيره في حياة المدينة وأهلها يبقى كبيراً ..و الى ازدياد.
وقد يربح آخر مقعداً في الندوة البرلمانية ويكون ذلك بداية خسارة صاعقه لمقعده ودوره الفاعل في مدينته.. وربما أفضى به الأمر الى الاعتزال والمكوث بين أربعة جدران.. بعيداً عن المدينة وهمومها.
وقد يستفيق آخر على ضجيج المعركة الانتخابية فيراوده حلم " النمرة الزرقاء" وكرسي في المجلس ، ويشنف أذنه خرير " سعادة النائب " لكنه يبقى عاجزاً عن مواكبة هموم المدينة وتلبية احتياجات ابنائها المتزايدة. فلا يزيده المقعد إن لم ينقصه.. وأن يفشل الاإنسان في الوصول الى سدة المسؤولية أشرف بكثر من فشله وهو في موقع المسؤولية ..
وكما يقول " الصيادنة " : إللي جرّب جرَب .. واللي ما جرَب عقله مخرب..
رحم الله - حيً وميتاً - من قال: ( سيكون لصيدا نائب تستحقه ويستحقها ) . وأقول الرهان كبير على كل صيداوي في وعيه وانفتاحه وضميره ومراقبته لربه وهو يضع صوته في الصندوق.
بعيداً عن تهويل المهولين " الصوت أمانة " نعم لكن لا نتذكرها فقط في موسم ليس الانتخابات. بل في ممارستنا الحياتية واليومية.
مطالبون بممارسة حقنا الانتخابي لإيصال المشروع الذي نؤمن بأنه يصون سيادتنا وحريتنا ويحفظ دماء شهدائنا وفي مقدمهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
مطالبون بحفظ دماء المقاومين الصيداويين واللبنانيين والفلسطينيين والعرب الذين قدموا دماءهم رخيصة لتحرير صيدا والجنوب وكل ذرة محتلة من تراب الوطن.لننعم بالسيادة والاستقلال وتنعم أجيالنا القادمة بالحرية والمستقبل الواعد.. قد يرى البعض في هذا الكلام إشارة لانتخاب هذا الشخص أوذاك ..
ببساطة لا أرى أن الصيداوي بحاجة الى تلميح أو تصريح فهو ذكي ولماح .. وتعنيه كرامته .. عزة وطنه .. مستقبل أبنائه .. كثيراً.
من المعيب أن يخاطب البعض الصيداويين بلغة البيع والشراء او الوعود والامتيازات فمن لا يؤمن بمشروع كيف ينتخب أصحابه ؟.. ومن يؤمن صادقاً بمشروعه لا تثنيه أموال الدنيا ووعودها عن التضحية بكل غال ونفيس لتحقيق فوز من يحمل مشروعه....
لتكن في صيدا انتخابات على أساس المشروع .. وكذلك يجب أن تكون الانتخابات .. وصيدا تستحق اكثر .. وكم من مشروع على مستوى المدينة والوطن ..يستحق أن ننتصر له .. ونسعى لفوزه
وعلى كل صيداوي متمتع بحقوقه الانتخابية النزول يوم 7 حزيران لممارسة حقه في انتخاب من يمثل مشروعه حق التمثيل .. حتى لوكان مشروعه " ورقة بيضاء" ! حتى يكون فعلاً قد أوصل صوته .. وأدى " الأمانة " ..
من فقه الدعوة : الاختلاف لا يفسد المودة

مقولة كثيراً ما نرددها لفظا فقط و لا نعمل بها ." الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ". وكل شيء بالنسبة لنا أصبح ينحصر في حدين لا ثالث لهما: اما خطأ او صواب . و لا تكاد توجد عندنا إمكانية لقبول خيار آخر ، يقوم على الجمع بين عدة آراء صحيحة تتكامل فيما بينها وتنتج خياراً آخر صائباً.

رأي لا حكم إلهي

أعجب مافي الأمر أننا بتنا نُسقط آراءنا في النوازل على الحكم الشرعي فنقول هذا حكم الله..ولا نتواضع فنقول هذا قولنا وما أدانا اليه اجتهادنا في المسألة! نفعل ذلك وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا التأول المذموم على الله .. فقد جاء في صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : ( .. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ ).

ورغم ذلك يتأول كثيرون بعلم وبغير علم على الله .. حتى أصبح أحدنا لا يعجبه أن يرد له رأي ، أو يورد له عليه .. وهذا المرض المزمن ليس بجديد بل تجده شائعاً قديماً وحديثاً ..وإليه يشير ابن تيميه -رحمه الله- بقوله :" ..كثير من النَّاسِ يَنْسُبُونَ ما يقولونه إلى الشَّرْعِ وليس من الشَّرْعِ ، بل يقولون ذلك إما جَهْلاً وَإما غَلَطًا وَإما عَمْدًا وَافْتِرَاءً. " .. فكيف يمكن الحوار مع من يعتقد بأن قوله لا يرد؟! ولا يرد – بكسر الراء –عليه؟! والجهل يعيي، و الخطأ يصحح ، أما العمد والافتراء فهو داء ما بعده داء!

وما ينبغي أن نفهمه ونطبقه عندما تختلف أفهامنا حول أمر أو نازلة هو التالي: إن أفهام الرجال ليست وحياً، والمدارس الفقهية، أو الدعوية ليست هي الإسلام، وإن كانت تنتسب إليه وترجع إليه. فلا نتعصب لرأي ولا نفترق لنازلة. فإن كنا في جماعة فلزوم ما تختاره الجماعة بعد الدرس والتمحيص حتم للمتبع ، ومخالفتها حق لمن شاء لا يقتضي ذماً ولا تجريماً.

تجريم المخالف

بل الأعجب من ذلك .. أن البعض منا أصبح يجرم الاخر لاختلافه معه في الرأي.بحيث أصبح الاختلاف صار جريمه بحد ذاته. بينما هو سنة إلهية ثابتة " ولا يزالون مختلفين " تبعاً لتعدد المدارك والأفهام . ورغم الوحدة الثقافية التي حرص الاسلام على تعميمها من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة . بحيث أصبح للأمة قاعدة مرجعية تؤوي إليها عند الحاجة .. لكنه ترك هامشاً واسعاً للعقل والتفكير والاختلاف.. فلماذا نحجر على أنفسنا ونضيق ما وسّعه الله؟!
قد نختلف حول الأصح والأصلح لزماننا عندما تتعدد الخيارات ولكن لا نفترق ..ولا يظلم بعضنا بعضا ..ولا ينهش بعضنا لحم بعض ..بل يعرف يعرف أحدنا فضل من يخالفه ولا ينكره ويثني عليه وهو يخالفه .. انظروا الى إمام أهل السنة الامام أحمد يقول : "ما عبر الجسر إلينا أفضل من إسحاق، وإن كنا نختلف معه في أشياء؛ فإنه لم يزل الناس يخالف بعضهم بعضا." وهذا من فقه هذا الإمام وتقواه. أما كثير من المختلفين فلو استطاع أحدهم أن يستميل إليه السلطان ليتقوى به على خصومه ومخالفيه لفعل ولا يرقب فيهم إلا ولا ذمة!

هجر المخالف

في مسائل الخلاف لا تأثيم ولا هجران، بل تعدد للأراء يسع الجميع ولا يشتت شملهم ولا ينقض غزلهم. وإن كان اتباع الهوى يهوي بأصحابه .. الناس يختلفون نعم ولكن لا يتدابرون ولا يهجر بعضهم بعضا بل يعذر بعضهم بعضا .. كذلك علمنا الإسلام .. وهذا مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون تأثيماً لكل من اجتهد في المسائل كلها من غير تفريق بين الأصول والفروع، فمن استفرغ وسعه في معرفة مراد الله عز وجل ، وكان أهلاً لذلك، فإنه لا يأثم بهذا الاجتهاد بل هو بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، ولا ينبغي أن يكون ثمة تهاجر بين المؤمنين. كما ذكره ابن تيمية رحمه الله.

اتهام النوايا

وثمة مرض خطير وداء وبيل يجعلنا أكثر تباغضاً وأعمق تباعداً وتدابرا.. أن نتهم المخالف في نواياه والنوايا سر مكنون لا يعلمه إلا الله. فنتقول على المخالف بما لم يقله ، ونتعب أنفسنا فيما لا طائل منه ولا وصول إليه.. وهذا مخالف أشد المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة القائل بالأخذ بالظواهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ). وقد أسرف قوم في هذا الباب حتى هلكوا وأهلكوا ، ونقضوا غزلهم من بعد قوة أنكاثاً.

الاختلاف لا يفسد المودة

في زمن تفرق فيه الناس وكثرت المشارب والموارد ، لا يصح منا أبناء الجيل الإسلامي الرائد أن نختلف فنفترق ونتباعد ، أو نهوي في مدارك البغض ومجانبة الانصاف. ومن الإنصاف المطلوب أن تقبل ما لدى المخالف لك من الحق والصواب، حتى لو كان فاسقاً-بنظرك- أو مبتدعاً، بل حتى لو كان كافراً.فكيف بمن آخى الإسلام والعمل لنهضته بينك وبينه وإن تفرقت الدروب واستصعب الذلول.
حدث الأعمش عن زِرّ بن حُبيش. وكان زر بن حُبيش علوياً؛ يميل إلى علي بن أبي طالب، وكان أبو وائل عثمانياً يميل إلى عثمان، وكانوا أشد شيء تحاباً وتوادّاً في ذات الله عز وجل، وما تكلم أحدهما في الآخر قط حتى ماتا... رحم الله سلفنا الصالح ورزقنا حسن الاتباع.