السبت، 8 أكتوبر 2011

عيوب النفس وعيوب الناس (2)

بقلم / الشيخ جمال الدين شبيب

أيها الأحبة ..

قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه ويذكر عيباً في أخيه قد اختفى ولو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى ..

وعن عون بن عبد الله رحمه الله تعالى قال: لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه.

وعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال: كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس.

وقال الفضيل بن عياض : ما من أحد أحب الرياسة إلا حَسدَ وبَغى، وتتبعَ عيوبَ الناس، وكره أن يذكرَ أحداً بخير.

وقال مالك بن دينار : كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة، وكفى المرء شراً ألا يكون صالحاً ويقع في الصالحين.

وقال أبو عاصم النبيل : لا يذكر الناس بما يكرهون إلا سفلة لا دين له، يعني: غوغاء وأسافل.
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا # فيهتك الله ستراً عن مساويك
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا# ولا تعب أحداً منهم بما فيك

قال بكر بن عبد الله : إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس ناسياً لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ به.

وسمع أعرابي رجلاً يقع في الناس فقال: قد استدللت على عيوبك لكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها.
وأجرأ من رأيت بظهر غيب # على عيب الرجال أخو العيوب
وقال آخر: شر الورى من بعيب الناس مشتغلاً # مثل الذباب يراعي موضع العلل

وبعض الناس لا يسلم من شرّه الأموات فضلاً عن الأحياء ..قال ابن السماكي: سبعُك بين لحييك، تأكل به كل من مرّ عليك، قد آذيت أهل الدور في الدور، حتى تعاطيت أهل القبور. أي: ما سلم منك أحد تأكل أعراض الأحياء وتؤذيهم، ثم تحولت بعد ذلك إلى أهل القبور.

يقول: حتى تعاطيت أهل القبور.. فما ترثي لهم وقد جرى البلى عليهم، وأنت هاهنا تنبشهم، وإنما نرى نبشهم أخذ الخرق عنهم.
يعني: إنما يوصف الإنسان بأنه نبّاش إذا كان يأخذ أكفان الموتى، فيقول: لا النبش ليس هو سرقة أكفان الموتى، إنما هو النبش الحقيقي الخطير، وهو نبش عيوب الموتى.
أي إذا ذكرت مساويهم فقد نبشتهم.

واعلم أخي أنّه ينبغي لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال:
أما واحدة، فلعلك أن تذكره بأمر هو فيك، فما ظنك بربك إذا ذكرت أخاك بأمر هو فيك؟! يعني: نفس العيب الذي تغتاب به أخاك هو موجود فيك أنت، فما جوابك عند الله؟!

ولعلك تذكره بأمر فيك أعظم منه، فذلك أشد استحساناً لمقته إياك.

ولعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه، فهل هذا جزاؤه سبحانه إذ عافاك؟! يعني: إما يكون ذنبك مثل ذنبه، وإما أن يكون أعظم من ذنبه، وإما أنك عوفيت من الذنب ، فهل جزاء الله سبحانه وتعالى أن عافاك أن تعيّر هذا الإنسان؟! أما سمعت: ارحم أخاك واحمدِ الذي عافاك؟!


ورحم الله من قال :
إن شئت أن تحيا سليماً من الأذى # وحظك موفور وعرضك صيّنُ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ٍ# فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك مساوئاً# فصنها وقل يا عين للناس أعينُ

قال أبو عبد الرحمن السُلمي رحمه الله تعالى: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت المدائني يقول: رأيت أقواماً من الناس لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر الله عيوبهم، وزالت عنهم تلك العيوب.

ورأيت أقواماً لم تكن لهم عيوب، فاشتغلوا بعيوب الناس؛ فصارت لهم عيوب! لأن من اغتاب اغتيب، ومن عاب عيب.
فالبحث عن عيوب الناس يورث البحث عن عيوبه.

ولعل في قاعدة: الجزاء من جنس العمل زاجراً للذين يخوضون في عيوب الناس، فيكفوا عنها خشية أن يعاملوا بالعدل، فإن البلاء موكل بالقول: لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن. قال تعالى: كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94].

وعن إبراهيم قال: إني لأرى الشيء مما يعاب لا يمنعني من غيبته إلا مخافة أن أبتلى به.

وعن الأعمش قال: سمعت إبراهيم يقول: إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلباً، وإني أكره أن أرى رجلاً فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا.

وقال عمرو بن شرحبيل : لو رأيت رجلاً يرضع عنزاً فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع. .. وقال ابن سيرين : عيرت رجلاً وقلت يا مفلس، فأفلست بعد أربعين سنة.

وعن الحسن قال: كانوا يقولون من رمى أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يبتليه الله به.
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد .. ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق