الاثنين، 22 يونيو 2009

إيران .. فوق صفيح ساخن


ما يجري اليوم في إيران هو تحرك أوسع وأشمل من الاحتجاجات التي شهدتها في عامي 1999 و2003 والتي اقتصرت على أحداث صنعها أفراد من عامة الشعب أخفقوا بالتواصل مع الطبقة السياسية في البلاد أوالنفاذ عبرها.
صحيح أن شرارة المظاهرات انطلقت من خلال جامعة طهران، لتتطور بعدها وتمتد وتستحيل أعمال عنف في شوارع المدينة تثير ذكريات المد الثوري الذي يريد القليل من الإيرانيين رؤيته يتكرر أمامهم من جديد.
لكن الاحتجاجات اليوم لم تنطق من القاعدة الى القمة بل من القمة نفسها مروراً بالقاعدة الشعبية . عندما يحاول البعض أن يرى في فوز الرئيس أحمدي نجاد محاولة لاستبعاد قادة اصلاحيين أساسيين من ميدان صنع السياسة الإيرانية.
موسوي رجل العلاقات
الرجل الذي يقود الاحتجاجات اليوم هو المرشح الرئاسي الذي نافس الرئيس محمود أحمدي نجاد وحلَّ في المرتبة الثانية بنتيجة الانتخابات، ليس بذلك الرجل الدخيل ذي الوزن الخفيف أو الضئيل الأهمية.
فقد تقلَّد الرجل منصب رئيس وزراء البلاد منذ عام 1981 حتى سنة 1989، وقد حظي بشكل عام بتقدير عالٍ لإدارته شؤون البلاد اليومية والعبور بها إلى بر الأمان خلال الأعوام الثمانية تقريبا التي دامتها الحرب الضروس بين إيران وجارتها العراق.
وموسوي هذا من أشدِّ المقرَّبين والمناصرين لعلي-أكبر هاشمي رفسنجاني الذي يتمتع بدوره بوزن أكبر في اللعبة السياسية في البلاد، وكان دوما أحد الأركان الأساسية للجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها.
ورفسنجاني، الذي تولى رئاسة الجمهورية الإسلامية مرتين متتاليتين بين عامي 1989 و1997، هو سياسي محافظ براجماتي (واقعي) يدعم موسوي بقوة.
ويترأس رفسنجاني الآن اثنتين من أقوى هيئات النظام: أي مجلس تشخيص مصلحة النظام (والذي يبتُّ بالنزاعات والخلافات المتعلقة بالتشريعات وتلك التي تنشأ بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور ويمكنه الاعتراض على أي تشريع يقره مجلس الشورى) ومجلس الخبراء (الذي يعيِّن، ويستطيع نظريا، استبدال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية).
كما أن موسوي يحظى أيضا بالدعم والمساندة من قبل رئيس سابق آخر حكم البلاد لفترتين رئاسيتين متتاليتين، ألا وهو الشخصية الإصلاحية محمد خاتمي، والذي سحب ترشيحه للانتخابات هذا العام لصالح موسوي، وهو يدعو الآن لإلغاء الانتخابات وإعادة عملية الاقتراع من جديد.
وقد عبَّر عن هذا المطلب أيضا أحد المرشحين الثلاثة الذين خسروا الانتخابات، وهو محسن رضائي، الذي كان قائدا للحرس الثوري لمدة 16 عاما، ويُعدُّ أحد أركان النظام الأساسيين.
نجاد رجل الشعب
ولكن على الرغم من ذلك فلا يمكن اعتبار أحمدي نجاد (وهو أول رئيس إيراني لا ينتمي إلى سلك رجال الدين) لا يحظى بالتأييد والدعم من الشعب أو القوى المسلحة أو حتى المؤسسة الدينية في مدينة قُمّ.
حيث يُعتقد أنه يتمتع بدعم كبير في أوساط قوات وقادة الحرس الجمهوري وقوات الباسيج (المتطوعين) التابعة لها.
كما أن أحمدي نجاد قد حقق نصراً مثيراً أيضا بحصوله على التأييد والدعم في أوساط الفقراء والمستضعفين، وذلك من خلال انتهاجه استراتيجية شعبوية وسياسية واقتصادية تميل لصالحهم. حيث قام بتوزيع الأموال في المناطق الريفية بطريقة يقول عنها منتقدوه إنها أضافت إلى المآسي والمحن التي تتعرض لها إيران، الأمر الذي ولَّد وفاقم التضخم العالي الذي تعيش البلاد تحت وطأته الآن.
ويبدو الآن أن الشرخ الذي نشأ قد تخطَّى الانقسام القديم الذي كان قائما بين المحافظين والإصلاحيين ضمن النظام الإيراني.فقد وحَّد الشقاق هذه المرة بعض العناصر المتواجدة على الجانبين.وذلك في مواجهة خط نجاد الشعبي العسكري الميَّال إلى المجابهة والصراع مع الغرب.
اثنين إلى واحد
وعلى الرغم من أن النتيجة لم تكن مفاجئة للمراقبين . فقد توصل استطلاع للرأي في الولايات المتحدة ونُشرت نتائجه في صحيفة الواشنطن بوست إلى نتيجة مفادها أن الهامش الكبير والمفاجئ من النصر الذي حققه نجاد على خصومه في الاستطلاعات إنما قد يعكس في الواقع إرادة حقيقية أصيلة للشعب الإيراني.
فقد أشار الاستطلاع، الذي أُجري قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات إلى أن نجاد كان سيفوز بنسبة اثنين إلى واحد، أي بنسبة أعلى من تلك النتيجة الحقيقية التي أُعلنت بعد الانتخابات.
ولكن الاحتجاجات الجماهيرية واعمال العنف المتصاعدة كانت سيف موسوي في مواجهة إرادة الناخبين التي أذاقته مرارة الهزيمة بـ 11 مليون صوت تشكل الفارق في الأصوات بينه وبين الرئيس أحمدي نجاد.
لكن تتابع الأحداث وتفجرها دفع قائد الثورة الاسلامية في ايران اية الله السيد علي خامنــئي لإصدار أوامره لمجلس صيانة الدستور، وهو المثيل الايراني للمــحكمة العليا الاميركية، باجراء اعادة فرز محدودة للاصوات، لتحديد ما اذا كانت هناك من ‎مخالفات.إضافة الى أصدار أوامره بمنع التظاهرات غير المرخصة والتي يسعى الغرب لاستخدامها في تشويه أو تقويض النظام إن استطاع..
الإرهاب الالكتروني... مؤامرة الغرب ضد إيران
وفي المحصلة، في حال لم يُنزع فتيل أزمة الانتخابات الإيرانية وتُحلحل عقدتها إلى حد ما، فمن الواضح أن استمرار وتصاعد وتيرة الاحتجاجات سيمكن الحلف الغربي الخاسر في مواجهة ايران من استغلال الاجواء الملبدة في طهران، لاستعادة بعض ما فقده عبر المواجهة المباشرة.
ولكن على الرغم من سقوط ضحايا بريئة وجرحى وتخريب في الممتلكات الخاصة والعامة مما لا تخلو منه احتجاجات أقل خطورة بكثير مما يجري في إيران.. لكن هذا الدم النازف الذي يحاول وضع << ولاية الفقيه>> أمام أول اختبار قاسٍ .. يستدعي من كافة القوى الإيرانية المتنازعة والمراقبة اجراء دراسة تقويمية جدية للأخطار وعدم الانشغال بالازمات المفتعلة والعمل والتعاون لتجاوزها بسلام . وبالتالي إفشال مخططات الغرب المتربص، والتي باتت أكثر وضوحاً.
ولاسيما بعد الحشد الاعلامي والسياسي الغربي غير المسبوق واستغلاله لأحداث ايران بما يؤكد سعيه لفرض انقلاب مخملي مستفيداً من اندفاع ودماء الشباب المحتج .. ولكن لتحقيق مصالح الغرب وعلى رأسه اشنطن وربيبتها اسرائيل لا مصالح الشعب الايراني. وهذا مما يهدد مصالح اقليمية ودولية معادية للتوجهات والسيسات الغربية الاستعمارية التي تمثلها ايران وروسيا والصين وقوى الممانعة في المنطقة توصلاً لفرض مشروع الشرق الاوسط الكبير (اسرائيل الكبرى) بطرق مختلفة هذه المرة.
هذا ما يؤكده ما كشفه مفتش الاسلحة السابق للامم المتحدة سكوت ريتر، في حديثه عن الدور الحاسم الذي لعبته شبكة الانترنت في تغذية الاحتجاجات والتظاهرات المعارضة.
‎فقد كشف موقع (انترناشيونال اويل دايلي) بأن جارد كوهين،وهو مهندس "الديموقراطية الرقمية" ، كان يعمل في فريق التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الاميركية منذ ايلول 2006 وادار في عام 2008 حركة تحالف الحركات الشبابية التي تركز على كيفية استخدام المواقع الالكترونية كاداة لتعزيز التنظيمات والنشاطات الشبابية لقلب أنظمة الحكم المعادية ، والذي تزامن تنصيبه، مع تلقي وزارة الخارجية الاميركية مبلغا قدره 75 مليون دولار مخصص لحملات اعلامية مناهضة لايران.
وحسب المصدر نفسه فان دور كوهين تضمن ايضا ابتكار اساليب جديدة في استخدام شبكة الانترنت لاهداف مرتبطة بزعزعة الحكومات خاصة وان مجموعته التي يطلق عليها اسم ( بايسوغ) اي ملخص اسم ايران وسوريا، تشمل اضافة الى هذا التخطيط دراسة كيفية تنفيذ عمليات سرية تعتمد سياسة التغيير الناعم للنظام.
و‎لا يمكن التقليل من اهمية شبكة الانترنت في نقل وصياغة الاخبار الواردة من ايران.
‎ما زال الالتزام الاميركي بتسهيل "ثورة مخملية" في ايران قائما منذ عام 2006. وقد ورثت ادارة اوباما سياسة "التغيير الناعم للنظام" هذه عن ادارة بوش، الى جانب نشاطات سرية اخرى اكثر صلابة.
وتهدف هذه السياسة الى تعبئة معارضة كافية داخل ايران لانجاز تغيير بحكم الواقع للنظام عبر اخراج الرئيس احمدي نجاد من المنصب الرئاسي،من خلال اصوات المقترعين في انتخابات حزيران 2009.
‎ولا ننسى دور السفير دينيس روس أحد أهم الاعضاء المؤسسين لـ "معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى" (وينيب)، والذي عمل مستشارا لدى هذه المنظمة منذ تركه الخدمة الحكومية العام 2000. وهو الذي ساعد في التحضير والتسهيل لمحاضرة القاها جارد كوهين في شهر تشرين الاول 2007 امام الـ "وينيب" تحت عنوان : "النساء والشباب والتغيير في الشرق الاوسط".
وكان موضوع كوهين المحوري هو ما اسماه "الديموقراطية الرقمية"، وهو مفهوم يقوم على ان الشباب في الشرق الاوسط "جاهزون بشكل خاص للتاثير الخارجي" عبر"ممرات التكنولوجيا" كالفضائيات التلفزيونية والهواتف المحمولة وشبكة الانترنت.
ودافع روس الذي يعرض اراءه الداعمة لتغيير النظام في ايران في كتاب نشر مؤخرا تحت عنوان "اساطير، اوهام، وسلام: نحو اتجاه جديد من اجل السلام في الشرق الاوسط"، والذي شارك في كتابته زميله في الـ "وينيب" المحلل دافيد ماكوفسكي، عن ابقاء كوهين في وزارة الخارجية وعن المضي قدما في عملية "ايسوغ" الهادفة الى تحريك الشباب داخل ايران في انتخابات حزيران 2009 الرئاسية، طالما لا يمكن ايجاد اي دلائل تربطها بالولايات المتحدة.
وسائل الإعلام الأميركية والغربية تروج اليوم لحملة منظمة بعناية، لتسويق مير حسين موسوي كبطل محتمل لإحداث التغيير المرتقب في إيران .خاصة عندما تطلق عليه تسمية "البطل المفاجئ لحركة قوية يحركها الشباب" في ايران. ‎
السلطات الإيرانية: استيعاب الأحداث
‎ لكن ذلك كله لا يخفى عن قادة طهران، فمنذ اعلان وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندليسا رايس، عن نيتها تمويل نشاطات خفية هدفها تغيير النظام الايراني في العام 2006، والحكومة الايرانية على أهبة الاستعداد أمام اي اشارات بالتحضير لـ"ثورة ناعمة" تتبع النموذج الغربي.
حيث تبقي الحكومة الايرانية، فوق الجبال المشرفة على شمال طهران، على مركز ضخم للتنصت الالكتروني، حيث تراقب تلك الاتصالات الخلوية، والقنوات الفضائية، والتفاعلات على شبكة الانترنت التي يعتبرها جاريد كوهن مسهلة لانجاز"الديموقراطية الرقمية".
و يبدو ان المحرك للجهود الواسعة التي قامت بها الحكومة الايرانية من اجل ايقاف الاتصالات بين ايران والغرب، هو اطلاعها على حيثيات التنسيق بين بعض الطلاب الايرانيين والاطراف الخارجية، التي كشفتها الاجهزة الامنية.
‎وبينما يبدو الاضطراب الناتج عن الجدل المحيط بالانتخابات الرئاسية مستمرا، يتم تدريجيا اعتقال القادة الاساسيين لـ "الديموقراطية الرقمية" في ايران، من قبل السلطات الحكومية، وذلك عبر التكنولوجيا ذاتها التي استعملها هؤلاء لبناء حركتهم.
‎ويبقى المدى الزمني الذي ستتمكن الحركة الداعمة لموسوي من خلاله من المحافظة على زخمها رهنا بالتكهنات.
كما انه من شبه المؤكد انهم لن ينتصروا، وان الحكومة التي ستحكم ايران بعد هذه الدوامة من الاضطرابات ستكون اكثر محافظة، واقل ميلا للتعامل مع الغرب، مما كانت عليه قبل الانتخابات. ‎
‎وعوضا عن كسر الحواجز بين الغرب و ايران، ستكون مناورة "الديموقراطية الرقمية" من جانب ادارة اوباما، قد نجحت في اقامة حواجز اكبر امام اي تقارب.
البرنامج النووي الإيراني : الى الحرب سر
وفي غياب اي مخرج دبلوماسي جديد له، سيبقى الجدل الذي يحيط ببرنامج ايران النووي من دون حل، مغذيا تصميم بعض العناصر، في الولايات المتحدة وخارجها (خاصة في اسرائيل) التي تدفع باتجاه تغيير النظام الايراني، حتى لوتطلب ذلك استخدام القوة وبالتالي الحرب مع ايران، خامس اكبر منتج للنفط في العالم، وهو آخر ما يحتاج اليه اقتصاد الدول الغربية المرهق، والاقتصاد النامي في الهند والصين.
ربما لن تقع هذه الحرب، في حال افترضنا وقوعها، قبل اشهر او سنوات عديدة.لكن من الافضل لاسواق الطاقة العالمية ان تعد نفسها للعمل في ظل بيئة تتسم بالعداء والتوتر بين ايران والغرب مما سيؤثر سلبا على امن الطاقة لكل المعنيين.

الاثنين، 15 يونيو 2009

فتحي يكن.. رحل ممانعاً !

رحل أبو بلال ..ألقى عصا الترحال عن كاهله المثقل بآلام الأمة وأمالها. ومضى الى ربه كما خلقه نظيفاً طاهراً من أدران السياسة، وانحراف الرؤية، واعوجاج الموقف.
ختم حياته المليئة بالمواقف الثابتة والمبادرات الشجاعة ، بأربع سنوات لخصت عملياً رؤيته الجامعة لعمل اسلامي أفنى فيه زهرة شبابه حتى غزاه الشيب والأجل.
ما يعرفه الكثيرون كونه رائداً ومؤسساً للعمل الإسلامي الحركي في لبنان ومفكراً إسلامياً من طراز نادر، قادراً على تبسيط المعضلات وإيضاح المبهمات، واختصار المطولات وتقريبها لأذهان الأجيال الشابة التي تربت على كتاباته المركزة من المحيط الى الخليج بل على امتداد العالم الإسلامي .
فلم ينحصر تأثير يكن على الساحة الإسلامية في لبنان، فالكتب التي ألّفها خلال مسيرته الطويلة كرّسته منظّراً للحركة الإسلامية، ورمزاً من رموز الإخوان المسلمين في العالم، خاصة أنّ هذه المؤلفات كانت تدرّس في حلقات وأسر الإخوان التنظيمية على رقعة انتشارهم في المعمورة.
لكن السنوات الأربع الأخيرة كانت حافلة فجماعته التي أسسها مع ثلة من إخوانه ، وأصدقاء عمره غادرته بعد خلاف مزمن.
هذا الخلاف أدّى فيما مضى إلى تخلّيه عن الأمانة العامة للجماعة عام 1970 وانتخاب الأمين العام الحالي الشيخ فيصل مولوي في هذا المنصب دون الإعلان عن ذلك. واستمر الشيخ مولوي في منصبه حتى عام 1972.
ليستعيد يكن دفة القيادة من جديد حتى عام 1993 بعد اختياره نائبا في المجلس النيابي إلى جانب نائبيْن آخريْن عن الجماعة الإسلامية أسعد هرموش وزهير العبيدي. وحينها فضّل التخلّي عن منصبه والتفرغ للعمل النيابي وإدارة كتلة الجماعة النيابية، فآلت الأمانة العامة من جديد للشيخ فيصل مولوي، وهو المنصب الذي مازال يشغله إلى اليوم.
استمر أداء يكن في الجماعة، وانتخب رئيسا لمجلس الشورى فيها أكثر من مرة، حتى عام 2005، وتحديداً بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وحينها حصل تباين في الرؤى.
فقيادة الجماعة ارتأت الانسحاب من الانتخابات النيابية ومقاطعتها انسجاماً مع التيار المتعاطف مع اغتيال الحريري. في حين اعتبر يكن أنه لا يجوز الانسحاب وترك الساحة للآخرين، وأصدر بياناً اعتبر فيه قرار الجماعة خاطئا، ليأخذ بعدها الخلاف منحى جديداً.
حيث بادر يكن بتشكيل "جبهة العمل الإسلامي" المؤلفة من مجموعات إسلامية عديدة، ليتعمق التباين في الآراء أكثر بينه وبين الجماعة الإسلامية، وتحديداً فيما يخص العلاقة مع كل من تيار المستقبل وسوريا والعلاقة مع المقاومة وحزب الله.
ففي مقابل تقارب الجماعة الإسلامية مع تيار المستقبل وقوى 14 آذار، اتجه يكن نحو التقارب مع سوريا وقوى الممانعة في لبنان وبادر الى دعم خط المقاومة الذي كان ومازال يشهد هجمة غير مسبوقة من التشويه والعزل.
كان يكن متألماً بشدة من تحالف <<الجماعة >> مع تيار المستقبل. لاعتقاده بأن تيار المستقبل يخدم بتوجهاته وممارسات حلفائه في قوى 14 آذار المصالح الغربية في لبنان. ويتحالف مع الولايات المتحدة ومحور الأنظمة العربية «المعتدلة» ضد معسكر المقاومة والممانعة المتمثل بسوريا وإيران وحماس وحزب الله والذي ارتبط يكن معه بتحالف قوي.
كان يكن متخوفاً من الدعوات التي تسعى لإبعاد السنة في لبنان عن مبادئهم وتاريخهم الجهادي،في مقاومة الهيمنة الأميركية والهجمة الاسرائيلية المستمرة ... تؤرقه كثيراً محاولات المساس بهوية لبنان العربية الممانعة ، ويخشى زجه في أتون الصراعات المذهبية التي لا تخدم إلا العدو الاسرائيلي ومخططاته للتفريق والتمزيق..
فدعا وعمل بقوة لجمع الشمل ورأب الصدع لهدف أساس لخصه في إعلان الجبهة بـ << العمل على الوحدة الوطنية والإسلامية وحماية المقاومة والوقوف في وجه أي محاولات لزرع بذور الفتنة المذهبية>>.
وكان يكن مدافعاً شرساً من أشد المنتقدين للقوى التي تسعى لتقويض دور حزب الله بوصفه حركة مقاومة ناجحة ومميزة وتستحق كل الدعم والمساندة.
.. رحل فتحي يكن رئيساً لجبهة العمل الاسلامي في لبنان التي لعبت دوراً محورياً في إسناد خط الممانعة والمقاومة ونجح وإخوانه في تجنيب الاحة السنية ويلات الفتن ونجح أيضاً في التصدي لمحاولات ارباك المقاومة وإيقاعها في مستنقع الفتن المذهبية.
في وقت غرق آخرون في المستنقع المذهبي ليس في الساحة السنية وحدها بل داخل ساحات الطوائف اللبنانية بلا استثناء.
قاد السفينة الى شاطىء الأمان .. لم تستفرد المقاومة. لم يسجل التاريخ أن سنة لبنان أجمعوا على ذبح المقاومة نصرة لخط الاعتدال العربي!
كان رجل الجماعة في حياته ومماته.. رفعه عشرات الآلاف من إخوانه في كل لبنان على أكفهم عزيزاً كريماً إلى مثواه الأخير ..عصر ذلك الأحد المبارك 21 جمادى الآخرة 1430 هـ 14/6/2009 م.
وكم سرني أن أرى في مقدمة الصفوف رفاق دربه في قيادة << الجماعة الاسلامية >> الذين اختلفوا معه بشدة دون أن يختلفوا يوماً عليه قائداً ومفكراً ومربياً فذاً من طراز عز مثيله..ولم يقصروا في حقه في ساعاته الأخيرة..
..ترى الى متى ستفرقنا الدروب وتجمعنا المصائب ..فتحي يكن يكفيك فخراً
أنك عشت مربياً ورحلت ممانعاً..!

الاثنين، 8 يونيو 2009

<< السُنيّة السياسية >> تنتصر..

لم يكن احتفاظ الأكثرية باكثريتها مفاجئاً لكثير من المراقبين والخبراء في الشأن الانتخابي اللبناني ، خاصة وأن النتيجة كانت متوقعة في استطلاعات للرأي نشرت قبيل ساعات من اجراء الانتخابات.
لكن ما كان مفاجئاً ومرعباً بدرجة كبيرة ، أن تُمنى المعارضة بهزيمة كبيرة. الأمر ليس مرتبطاً فقط بالمحصلة النهائية لعدد المقاعد، ( 71 للأكثرية ) بل في حصول فريق 14 آذار على أصوات إضافية وخصوصاً في الوسط المسيحي، الأمر الذي سيدخل البلاد في مرحلة تجاذب محلي واقليمي لن تكون في مصلحة أي من الفريقين المتنافسين .
خاصة إذا استمر مسلسل التصعيد الكلامي والشحن المذهبي والطائفي ، الذي استطاع أن يحفظ للأكثرية أكثريتها. وحال دون تمكين المعارضة من لجم تراجعها وتآكل مقاعدها.
خسرت المعارضة الانتخابات، وبقيت في المعارضة. وربح فريق 14 آذار وبقيت الاكثرية النيابية في يده. ومسلسل المفاجآت انتهى الى صدمة كبيرة في أوساط المعارضة.
قد يكون هذا الكلام قاسياً في حساب البعض. لكن الأقسى مما هو آت أعظم، إن لم تتحقق مراجعة شاملة وهادئة للحسابات والسياسات التي أدت الى إنتاج << مجلس تكريس الانقسام >> قبيل استحضار أجواء الحرب الأهلية الحاضرة دوماً في النفوس المتأججة.
قد تكون << السُنيّة السياسة >> ربحت المعركة بامتياز لأربع سنوات قادمة أو لست سنوات متوقع قدومها .. مستفيدة من الشحن المذهبي والمال السياسي وربما الغباء وسوء التقدير السياسي لدى البعض.. أما في ساحة المعارضة فلعل نشوة المنابر وكشف ظهر الحلفاء فضلاً عن إيلام ظهورهم بالأخطاء القاتلة والإمعان في فيها .. كان من الأسباب الأساسية التي أدت الى هكذا نتائج.
ولعل السنوات المقبلة ستكون سنوات عجاف على المعارضة قبل أن تستطيع تصحيح وتدارك سلسلة الأخطاء المتراكمة . أو تستمر ممعنة في الإيغال في سلوك الدرب الخاطىء..
قد تكون السنية السياسية بأكثريتها نجحت في التحضير لفرض حصار سياسي على حزب الله يواكبه حصار أمني اقليمي ودولي ضاغط وسط موجات متتابعة من التشوية والتهم غير المسبوقة والمسوقة اسرائيلياً ودولياً.. ولكن هذا لايتحمل مسؤوليته الحزب فهو أمر خارج عنه.. مايتحمل الحزب مسؤوليته ربما هو تغطيته لأخطاء الآخرين وعدم الوقوف في وجهها أو محاولة تصحيحها. بل ربما وقوهه في الفخ المذهبي من خلال الشعور بالنشوة الكاذبة لما تصوره نصراً فكان فخاً يصعب الفكاك منه لدرجة استدراجه للإمعان في تمجيده..
المزاج المذهبي والطائفي كان لعبة مارسها الجميع بامتياز فأنتجت مجلس فتنة .. يصح فيه نبؤءة << ميشال شيحا ابو الدستور اللبناني>> أن المجلس ساحة للحوار الذي مايلبث أن ينتقل الى الشارع عندما يتعطل في الداخل.
ومشكلة حوار الطرشان لن تكون سيدة الحكومة وحدها بل ستطال المجلس النيابي المستولد بقانون الـ 1960 الذي كانت المقدمة الأولى للحرب الأهلية يوم أغلقت << المارونية السياسية >> آذانها غير آبهة بصراخ من اعتبرتهم أقلية مارقة فانفجر الشارع عندما تعطلت لغة الكلام.
لا أعتقد أن أحدأ من اللبنانيين يحب سماع مثل هذه الذكريات المؤلمة لكن واقع البلد بشهادة القاصي والداني هو ذاك. فلا داعي للمكابرة من أي فريق.
لبنان اليوم يقف على مفترق طرق بين اتجاهين: إما تجديد تسوية الدوحة مع أرجحية لمصلحة الأكثرية، وإما العودة الى ما قبل 7 أيار والذهاب نحو صدام لا أحد يعرف كيف سيكون، وكيف ستكون ارتداداته المحلية والاقليمية وخصوصاً أن الوجه الخارجي لنتائج الانتخابات سيكون له تأثيره الكبير، كما كان له تأثيره في مسار الانتخابات نفسها.
ما أودّ قوله:.. الجميع بحاجة لوقفة مع النفس موالين ومعارضين لمراجعة الحساب وتقييم المرحلة الصعبة..قد يكون صعباً الشعور بالهزيمة لكن الأصعب منه قيادة سفينة الانتصار في بحر متلاطم مليء بالتيارات الجارفة والألغام الناسفة.
دعونا لانتخابات على أساس المشروع .. وقد اختار الناس مشروعاً . يعتبره البعض صائباً ، وربما اعتبره غيرهم مهلكاً. أما وقد فازت الأكثرية بالإبقاء على أكثريتها... فلا داعي للاستعجال في طلب الرزق ! وأمامها محطتان لإثبات حسن النوايا رئاسة المجلس وتشكيل الحكومة..إذا استطاعت تخطيهما بسلام فما بعدهما أهون..
وكذلك المعارضة أمامها نفس الامتحان أن تتجاوب وتتعقل لتجاوز القطوع الصعب عبر << العناد الإيجابي>> أو تتابع السير في طريق جلجلة << العناد السلبي >> الذي لا يهدد البلد فحسب بل مستقبل مقاومته وصدقيتها في الداخل والخارج..
الرئيس ميشال سليمان كان نبه الى خطرين يهددان الوطن : << اسرائيل>> وعدم محافظة اللبنانيين على ديمقراطيتهم. وإذا كانت المعارضة تمتلك مفتاح الحفاظ على خط الممانعة والمقاومة في وجه الخطر الاسرائيلي بالإصرار على تحصين ساحة المقاومة وإخراجها من مستنقع السياسة الداخلية، فإن الأكثرية اليوم تمتلك مفتاح الحفاظ على الديمقراطية الحقيقية التي لا تستثني ولا تستقصي وتتمسك بالانفتاح على الآخر وتبديد هواجسه بالفعل لا بالقول ليبقى الوطن سيداً حراً مستقلاً.
وقىَ الله اللبنانيين شرور قادمات الأيام وبصّرهم بعيوب أنفسهم .. وألهمهم صواب القول والفعل ليحافظوا على بلدهم .. الذي بذل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ( باني نهضته المعاصرة ) دمه سخياً من أجل أن يستمر لبنان عنواناً للرأي والرأي الآخر .. وموئلاً للدفاع عن الحريات ونبراساً للمقاومة والممانعة الشاملة لنصرة قضايا الوطن والأمة.

السبت، 6 يونيو 2009

السابع من حزيران : يوم الأوفياء


اللبنانيون عامة وأهل صيدا خاصة أوفياء لما يرونه حقاً .. وسينزلون زرافات ووحداناً ليدلوا باصواتهم لمن وقف معهم في المراحل الصعبة.
هم يعرفون حق المعرفة من الذي يدافع عن حقوقهم ويصون حريتهم ويحفظ كرامتهم و يبلسم جراحاتهم ويخفف من معاناتهم.
الصناديق ستقول كلمتها وستأتي لنا بمجلس لن يكون الفرق فيه شاسعاً بين موالٍ ومعارض . وربما تبدلت المواقع فصار الموالون في موقع المعارضين والعكس يصح. دون أي تأثير على اتجاه البلد فالكل محكوم بالمشاركة في إدارة بلد لم يتعافى من أمراض الطائفية والعشائرية.. حتى الساعة!
ربما تتبدل أو تتنوع صيغة المشاركة شكلاً أو اسماً ..لكن في الأساس الكل ملتزم بهذه الصيغة بطريقة معينة .. إنه لبنان لا مجال فيه للتفرد والاستئثار من أية جهة .. حتى يبقى موجوداً بالفعل.
هي الانتخابات الأضخم تمويلاً وبذخاً في تاريخ لبنان والعالم، بل هي الأوسع تجاوزاً لمعايير الدول المتقدمة .. يتداخل فيها الديني والسياسي والطائفي والمذهبي.ويحشد فيها كل فريق ما استطاع من خيل وركاب ليوم الفصل السابع من حزيران!
وعلى ذمة صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير نشرته عن الانتخابات النيابية اللبنانية، أن مئات ملايين الدولارات تتدفق إلى لبنان من الخارج لشراء أصوات الناخبين، واصفة هذا الاستحقاق الانتخابي بأنه سيكون من بين الأعلى كلفة في العالم.
وبحسب الصحيفة فإنّ السباق سيكون الأكثر حرية والأكثر تنافساً خلال عقود، مع وجود عدد قياسي من المرشحين المشاركين، إلا أنه بالتأكيد سيكون الأكثر فساداً.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أنّ شراء الأصوات يتم بالمال أو بالخدمات، إذ أن المرشحين يدفعون لمنافسيهم مبالغ طائلة للانسحاب، كما أن كلفة التغطية الإخبارية التلفزيونية آخذة في الارتفاع، وأن المال يدفع للآلاف من المغتربين اللبنانيين للقدوم إلى لبنان للتصويت في الدوائر المتنازع عليها.
ولفتت إلى أنّ هذا الواقع، بحسب الناخبين والعديد من مراقبي الانتخابات والمرشحين السابقين والحاليين، يغذي الفكرة الساخرة عن السياسة في لبنان، الذي قد يكون شكلياً، الدولة العربية الأكثر ديمقراطية، ولكنه عملياً محكوم بالطائفية والمحسوبية والولاء للعشيرة.
وأضافت انه على الرغم من المبالغ الهائلة التي تنفق، إلاّ أن الكثير من اللبنانيين يرون أن السباق يكاد يكون غير ذي صلة، موضحة أنّ "التركيبة السياسية الطائفية في لبنان تضمن استمرار حكومة "الوحدة الوطنية" الحالية، التي تمنح الخاسر حق النقض (الفيتو) للحفاظ على السلم الأهلي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "بالنظر لكون كل مقعد في البرلمان اللبناني تحدده الطائفة الدينية، فإن الانتخابات تميل إلى تعزيز التركيبة الاقطاعية في لبنان عبر شبكة من الرجال من أسر معروفة محسوبين على كل طائفة ومنطقة".
ووصفت الصحيفة الانتخابات بالنسبة للفقراء في لبنان بأنها <<"عيد ميلاد" يكثر فيه المال والرعاية الصحية وقسائم الوجبات الغذائية وغيرها من التقديمات.>>
.. هذه هي الصورة التي تراها الصحيفة الأميركية عن اللبنانيين.. ربما تكون صادقة في بعض التفاصيل لكن اللبنانيين فيهم الكثير من أهل الوفاء الذين لا يعيرون للمال السياسي قيمة ..
جُلُّ اللبنانيين يعتبرون نزولهم في السابع من حزيران واجباً وطنياً لا علاقة له بالمملكة العربية السعودية أو إيران. بل يرونه يوماً وطنياً بامتياز. يسارعون فيه للنزول والاقتراع قبل غيرهم دون أن أن يتلقوا اتصالاً يحثهم أو ينتظروا سيارة تقلهم.
اللبناني بطبعه ذكي ومثقف ولا تتجاذبه الأهواء بقدر ما تعود أن يجذبها للمصلحة العامة أو الخاصة.كما يراها وقد تختلف الرؤى او تتعدد لكن تبقى رؤية لبنان بلدأ سيداً حرأ مستقلاً موحدأ متماسكاً شامخ الرأس.هي الصورة الأحب والأجمل في قلوب جميع اللبنانيين.
في السابع من حزيران سيؤكد اللبنانيون والصيداويون وفاءهم بالفعل لا بالقول. وسيثبتون أنهم أوفياء للمبادىء والقيم ولأرواح الشهداء وفي مقدمهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالحفاظ على نهجه الجامع الذي حافظ عليه حتى الاستشهاد متحدياً كافة المصاعب والضغوط. هذا النهج الجامع بين الإعمار والنهوض بالبلد اقتصادياً وسياسياً مع الحفاظ على تميزه وممانعته ومقاومته لكل معتد وغاصب وطامع.
.. السابع من حزيران يوم الأوفياء، فعهدي بكم أوفياء لهذا النهج الجامع الذي ارتضاه الرئيس الشهيد في حياته.. حيث لا تناقض بين التحرير والاستقلال فكلاهما يقود الى النهوض الحقيقي بالوطن ويدفع ويصون عجلة الإعمار.
اقترعوا للمشروع الذي ترون أنفسكم ومستقبل أولادكم فيه. واحرصوا على أن يبقى وجه لبنان مشرقاً ورأسه مرفوعاً على الدوام ...وكل انتخابات ولبنان وأهله بألف خير.