الاثنين، 31 مايو 2010

بعد الاعتداء الاسرائيلي المجرم اسطول الحرية الشيخ شبيب: لفضح الجرائم الاسرائيلية المتمادية ومعاقبة مرتكبيها

الشيخ شبيب: لفضح الجرائم الاسرائيلية المتمادية ومعاقبة مرتكبيها

الهيئة الإسلامية للإعلام - لبنان
دعا "رئيس الهيئة الإسلامية للإعلام" الشيخ جمال الدين شبيب أجهزة الإعلام العربية والعالمية إلى فضح الجرائم الإسرائيلية المتمادية في حق المدنيين والعزل ، والتي كان أحدثها وليس آخرها الاعتداء على سفن الإغاثة (أسطول الحرية ) وممثلي المجتمع المدني المتضامنين مع أهل غزة المحاصرين ومحاولة قتلهم وبل قتل العشرات منهم وإصابة أكثر من 70 متضامناً من أصل 750 متضامناً ومن جنسيات مختلفة واعتقالهم دون أي مبرر. وذلك في المياه الدولية مما يعد سابقة خطيرة وجريمة دولية موصوفة فاقت كل التوقعات.
وأضاف الشيخ شبيب : نتابع بمزيد من القلق مجريات الأحداث وقد بلغنا أن من بين المصابين بجروح خطيرة الشيخ رائد صلاح ( رئيس مؤسسة الأقصى ) وعدد من الأخوة في جمعية IHH الإنسانية التركية.وعدد من الأخوة المتضامنين من جنسيات أوروبية مختلفة .
إننا في لبنان وباسم الجسم الإعلامي المتضامن مع غزة والأبطال في أسطول الحرية ) الساعين لإيصال الأدوية وحليب الأطفال لأهل غزة ندعو أحرار العالم ووسائل الإعلام والمنظمات الانسانية والإعلامية الدولية لفضح الجرائم الاسرائيلية وكسر التعتيم الاعلامي المفروض ..كما ندعو الجهات الدولية المسؤولة لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم وملاحقتهم لينالوا العقوبة الرادعة التي يستحقونها.
وختاماً نتقدم بتعازينا من أسر الشهداء ، متمنين الشفاء العاجل للجرحى، والحرية الناجزة للمعتقلين.

الخميس، 13 مايو 2010

الأزمــات السّنيــة



الشيخ جمال الدين شبيب

مما لا شكّ فيه ان الساحة السنيّة تعاني من استهداف مركز من قوى علمانية لا تؤمن بالاسلام منهجا" للحياة . وتعمل هذه القوى المنغمسة في مستنقع الرأسمالية المتوحشة على مصادرة القرار السني وتوجيهه بحيث يخدم مصالحها وخياراتها البعيدة عن هدي الاسلام كعقيدة وشريعة ومنهج حياة.
وقد عانت الساحة السّنية قي لبنان وما تزال من ارباكات جعلتها غير قادرة على الفعل والتأثير في مجريات الأحداث . ومن اهم هذه الارباكات :
· الأزمة الحركية :
ففي الساحة الاسلامية السّنية اليوم حركات اسلامية متعددة في مقدمها حركة أم هي "الجماعة الاسلامية "
ولكن على الرغم من كون "الجماعة " كبرى هذه الحركات وأعمقها خبرة وأوسعها وعيا" وأفقا" , غير أن ّ الجماعة اليوم وبعد تاريخ حافل بالعمل الحركي والاجتماعي ادخلت مرغمة زواريب السياسات الضيّقة , بحيث استطاعت قوى علمانية رأسمالية وليبرالية ان تستلحقها بمشروعها وتستفيد من تاريخها وحضورها التجديدي في ساحة الصراعات الداخلية , دون ان تترك للجماعة اي مساحة للاستفادة من مكتسبات سياسية ومالية او تسهيلات واسعة تخدم مشروعها الاسلامي بالأساس .
وثمّة اشكاليات داخلية كانت وما زالت تعيق حركة " الجماعة " وتطوّرها واستيعابها لشرائح واسعة من ابناء الساحة الاسلامية السّنية في لبنان ..
من أهم هذه الاشكاليات ظاهرة العقم القيادي وسيطرة الشخصانية والعائلية وفقدان المحاسبة وغياب الشفافية وتعذّر تداول السلطة في البنية التنظيمية المهترئة أصلا" , والمحرومة من أي دم جديد فاعل يحمل رؤية شرعية وفقه واقعي لمواجهة التطورات المتسارعة .
فضلا" عن تسلّل البورجوازية الصغيرة وسعيها للتطوّر نحو الرأسمالية إلى الساحة الحركية وسعيها للاستقطاب والتأثير في الساحة التنظيمية الداخلية ممّا يوقع الحركة في اسار مجموعة من المتسلقين والنفعيين الذين لا همّ لهم سوى جعل وضعهم كمراكز قوى جديدة تنافس الحرس القديم .
هذه الازمة الحركية جعلت الكثير من أبناء الحركة الأم يبتعدون عنها لعدم مقدرتها -في وضعها الحالي – على الاستفادة من طاقاتهم وتوظيفها في خدمة المشروع الغائب في الاصل .
وبالتالي فالشباب السني أصبح يبحث عن خيارات وبدائل عبر السلفية او الجهادية او مغادرة الساحة باتجاه تيّارات اسلامية غير سنية تتمتع بتنظيم وحضور آسر وتحمل مشروعا" مرحليا" واستراتيجية واضحة كمثل حزب الله او الحركات السّنية الدائرة في فلكه . على سبيل المثال حركة التوحيد , جبهة العمل الاسلامي وغيرها .

· أزمة المشروع :
تعاني الساحة الاسلامية اليوم من أزمة مشروع غائب لم تستطع أي من الحركات السّنية استعادة انتاجه رغم تنوّعها ما بين سلفية واخوانية وتحريرية ...الخ .
وعندما أقول مشروع أقصد صياغة مشروع مرحلي قادر على جمع الناس حوله ودفعه للأمام وحمايته .. مشروعا" قابلا" للحياة ونابعا" من صميم الفكر والأصالة الاسلامية .
ربّما مثّلت المقاومة في فترة زمنية مطلع الثمانينات حتى منتصف التسعينات بداية لمشروع قابل للجمع والحياة , لكن ظروفا" خارجية ومحلية وداخلية ضاغطة ابعدت بالساحة الاسلامية السّنية عن هذا المشروع بعد ان تم الخلط المشبوه بين المقاومة والارهاب على الاقل خارج الحدود اللبنانية ..وعندما حالت الظروف دون انخراط السّنية بجدية في مشروع المقاومة في الساحة اللبنانية وتوجه بعضهم ليتابعوا مشروعا" مقاوما" آخر في العراق أو غيره ..لوحقوا وقدموا للمحاكم ولم يجدوا من يهّب لنصرتهم من أبناء ساحتهم أو الساحة الاسلامية عامّة بالجدية المطلوبة..
فانتفض الشباب وتوزعوا على مشاريع نظرية غريبة عن الواقع اللبناني وربما وقع بعضهم تحت براثن تيارات اسلامية متشردة غريبة عن الارض وخصوصيتها .
ما يحتاجه السنّة اليوم أكبر من ميثاق اسلامي يعبّر عن توجّه لفئة أو فئات اسلامية تستنسخ بعضها بعضا" .. الساحة السّنية بحاجة لصياغة مشروع جدّي يحدد اولويـاتها من جديد , ويرسم افق تطلعاتها , ويوضح نظرتها للاصلاح والتغيير بما يلحظ الخصوصية اللبنانية وحظوظ باقي الشركاء في الوطن .
اذ لا معنى لأي مشروع يقوم على الاستفزاز أو الاقصاء أو الاستثنـاء, علينا أن نبحث جديا" عن مشروع يجمع السلفي والصوفي والاخواني وربما التحريري والتبليغي في دائرة من المسلمّـات تنتج خارطة طريق للساحة السّنية , تتناغم فيها هذه التيارات كل من زاويته ..
بل يجب الاتفاق بداية على الاولويات وآليات السير فيها مع حفظ خصوصية كل اتجاه..
ما الموقف من عناوين شتّى .. المقاومة نظرية وتطبيقا" ..الاصلاح ومحاربة الفساد.. المشاركة في الحكم ..الطائفية والمذهبية (العصبيات)..الدولة المدنية او الدينية..العلمانية ...الخ
هذه العناوين وغيرها ربما تشكّل بداية للقاءات متعددة يطرح كل اتجاه اسلامي رؤيته ثمّ يخلص الى صياغة خلاصات ربما تنتج خارطة طريق للساحة الاسلامية السّنية ..وربما ترجعنا الى الوراء على صعيد الغوص في تفسير البديهيات والماء بالماء , المهم ان يكون هناك ديوان حواري حقيقي ممثّلة فيه كل هذه الاتجاهات يناقش عناوين ..ويخلص ربما بعد اشهر لدراسة شاملة للواقع تنتج خطّة قابلة للتنفيذ وخارطة طريق يلتزمها الكل مع حفظ خصوصية الجميع وربما عمق مثل هذا الحوار الانقسام في الساحة السنية ..لا ضير المهم ان لا يضيع المسار وسط زخات من الغبار ..
ما المانع ان يستطيع الباحث تحديد مواقف كل الاتجاهات بدقة لا شك سيخلص الى اشياء يتفق الجميع عليها و اخرى يختلفون عليها , انها طبيعة البشر .. ربما ستكون الساحة اكثر تنظيما" ووضوحا" ويسعى كل طرف لتأطير الناس حول مشروعه ولينتصر المشروع الاقوى ..والتاريخ لا يرحم المهم ان ينطلق الجميع نحو مشروع مرحلي ..واضحة اولوياته ..
ما المانع ان يقول السلفي أن اولوياتي العقيدة والاخواني التربية والتحريري السياسة .. والتبليغي الدعوة ..
لكن ثـمّة ما يمنع من ضياع الاولويات وعدم قدرتها على انتاج مشروع يشترك فيه الجميع , لأن الخطر دقيق ومحدّق ..
قد يختلف السلفي في أولوية المقاومة ومن يقوم بها ومدى ثقته به..
لكن لا يجوز ان تموت الروح الجهادية في الامة لخطأ توهمناه في ممارسة البعض لها ..
قد لا يوافق التحريري على تداول السلطة لكن عندما نتكلم عن مشروع مرحلي لماذا لا يفكّر أو يحاول اعادة انتاج نظريته بعد خلخلة الموانع النظرية تحت تأثير الضغط الواقعي لساحة خاصة وسط ظروف خاصة.

· أزمة الهوية :
ساحتنا الاسلامية السنية تعاني اليوم من مشكلة عنوانها "فقدان الهوية " .. وما اصعب أن تفقد ساحة هويتها..ورحم الله امرءا" عرف حدّه فوقف عنده !!
قال ابو ماضي :"جئت لا أعلم من أين ولكنّي اتيت ..ولقد أبصرت أمامي طريقا" فمشيت !! ساحة السنية اليوم تتعرض لخطر عظيم عنوانه استلاب الهوية وفقدان الثقة في النفس, ليس هذا فحسب بل ان اخطر ما في الامر . .ان يتم تزوير تاريخها بشكل بشع ..
هي ساحة تمثل الثقل الاسلامي بمحيطها واتساعه ,وتاريخها ونصاعته ,وريادتها وفرادته ,ورغم ذلك يريد لها بعضها أن تنفصم عراها مع ماضيها لتنـزف في مستقبلها وتتآكل من داخلها .. عندما تختصر بنماذج بائدة ومسوخ حاقدة وتحترق بنيران حاقدة ملؤها الحقد والكراهية والتنكّر لتاريخها الجهادي الرائد.
هل يعقل أن يتعطّل العقل لصالح الغباء والجهل ؟؟! هل يعقل أن تنعدم القادة في زمن "الرفادة" .. ثمّة من يريد اختصار هذه الساحة في رموز وزعامات ساقطة في ميزان الله وقانون الناس .
ورغم ثراء هذه الساحة بالمفكرين والعلماء والقادة لكن ظهورهم يكاد يكون مغيبا" لفرقتهم , وتنكب جماعتهم عبر صراط الله المستقيم ودخولها ميدان السبل المفرّقة واجتماعها في ظل المستكبرين والكبراء واتكائها على حائط دعم مائل نحو جرف يكاد يهوي بأصحابه ومن يتّكىء عليهم.
ان تعرف الساحة نفسها تلك طريق البداية .."فانظر الى نفسك ثم انتقل للعالم العلوي ثم السفلي تجد به صنعا" بديع الحكم لكن به قام دليل العدم" , لكن ما العمل اذا كان هناك من يعمل جاهدا" لاخفاء الصورة الحقيقية لصالح صورته الضيقة المستتبعة لأهواء الذين لا يعلمون وشهوات الحاقدين على الأمة ونهضتها وفجرها القادم .
وبالتالي فان أيّـة محاولة لاستنهاض هذه الساحة ووضعها على الطريق الصحيح يحتاج الى ادراكها لماهيتها وأهميتها وتحرّكها المنظّم باتجاه الفعل والتأثير في مجريات داخلها ومواكبة تطورات خارجها ومحيطها .

· أزمة المرجعية:
وهي أزمة محورية أساس من الصعب جدا" أن تتحرك ساحة في فراغ لا يقودها رائد كبير لا يكذب اهله ..ساحتنا اليوم حائرة بين مرجعيات دينية مستتبعة , وأخرى حزبية مستلبة ومستلحقة ,وشخصيات وقوى دينية وسياسية وحزبية أقرب الى جراثيم تنشر ثوماق الوباء من ترياق الداء.
ما الحلّ؟ وكيف يكون الخلاص ؟..لا بدّ من مرجعيات حرّة ومتحررة تستهدي بنور الشرع الشريف ,مرجعيتها الكتاب والسنّة وسيرة الآل والصحب والعلماء العاملين من سلفنا الصالح .
لا يمكن الانقياد لمرجعية تنقاد لزعيم أكثر ممّا تنقاد لرب العالمين ..
حبّ الله وحبّ المال لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن ..
لا يجوز أن ننقاد كالقطيع خلف مجموعة باعت تاريخها ورهنت حاضرها وراهنت على بيت سياسي أوهن في ضعفه من بيت العنكبوت ..
ثمّة امور قد تصحّ في السياسة لكنها لا تصحّ ولا تجوز شرعا" , عندما نختلف على المرجعية ما المقياس؟ ..اذا كان تعريف أو توضيح الواضحات من أشكل المشكلات ..
الساحة بحاجة لانتاج مرجعيات تتحلّى بشروط الولاية مخالفة لهواها مطيعة لأمر مولاها عزّ وجلّ , لا تخشى في الله لومة لائم تبيّن للناس الحق وتأطرهم أطرا" لاتباعه ..ولا تلّبس الحقّ عليهم وتكتمه وهي تعلمه علم اليقين !!

ورحم الله شيخ الاسلام "مصطفى صبري " آخر شيخ في الاسلام في دولة بني عثمان حيث قال :" انّ العلماء المعتزلون السياسة كأنّهم تواطأوا مع الحكام صالحهم وظالمهم على أن يكون لهم الأمر (أي الحكام ) ويكتفوا منهم (أي العلماء المعتزلون) برواتب الانعام ومواكب الاحترام ..
فكيف اذا كان العلماء – بل بعضهم – من كبار تجّار الدين والسياسة والهوى!!!

ورحم الله من قال من هوى... فقد هوى !!!..


الإسلاميون في زمن التسوية

في الممارسة الحركية(1)



بقلم / الشيخ جمال الدين شبيب

"انّ محبتي للحقيقة أرشدتني الى جمال التسوية في كل أمر"
المهاتما غاندي

التسوية القائمة على مبدأ التوازن المتبادل أمر يعيشه كل انسان في كل لحظة من لحظات حياته ..فالانسان حين يكون كلاّ" أو حين يكون عدلا" , محكوم بالتسوية كما فطره الله تعالى ..
ومبدأ التكيّف فينا معشر البشر متأصل ومتجذّر يعوّدنا على اكتساب نعمة التوازن . هذا التوازن القائم على مواكبة المتغيرات المستجدة في حياتنا واحداث ذلك التواؤم المطلوب ..والمتبدّل على الدوام بتبدّ ل ظروفه وما يحيط به من البيئة الطبيعية والاخلاقية .
ولمّـا كانت أمزجة البشر وأطباعهم مختلفة وبدرجات متفاوتة , تعود الانسان ان يكون "سويا" " في كل خطوة جسدية أو معنوية في حياته على وجه الارض , تماما" كما الطبيعة المحيطة به ..ليل ونهار ..حرارة وبرودة ..رطوبة ويباس ..فصول تروح وأخرى تجيء..
وهكذا بالنسبة لحياتنا الاجتماعية ..حب وكراهية , حق وباطل , نور وظلمة , ففي كل مفصل من مفاصل حياتنا على وجه البسيطة تسوية من نوع ما ..

حتى في تعايشنا داخل الأسرة الواحدة التسوية قائمة ومستمرة في الموازنة بين دور الأب والأم , الكبير والصغير , الغني والفقير , لا بدّ مع كل تضاد من تسويـة ما تحول دون انفراط العقد وحصول الضرر..والذي يعتقد ان بامكانه الخروج عن هذا المبدأ هو واهم , فمن خرج عن التسوية " خرج عن الجماعة " على حد تعبير المعلّم الراحل كمال جنبلاط .
و التسوية تفترض التعارف . أن يعرف كل منّا الأخر ويقدّر له قدره , فلا يغمط الأخر حقّه في الحياة والحرية والكرامة والاستقرار .
كما تفترض التسوية تفاهما" من نوع ما بما يحول دون التنافر والتضاد عبر تغليب المصالح المشتركة ولو لفترة من الزمن .
"فالعقل سابق على الاقتصاد والفكر سابق للمادة باعتراف معلّم من وزن كمال جنبلاط ..
حتى الماركية بمـا هي عليه من نهج متطور مرتق من التفكير وتحليل الوقائع والتوازن واستيعاب المتغيّرات وتصويب الطرائق والسبل , لم تسطع تجاوز خط التسوية في الحياة ..مع نقيضها الرأسمالية ولعلّ " بيروستريكا " "ليشرف ليا" في بولندا فضحت الكذبة بعشرات السنين قبل " بيروستريكا" غورباتشيف
وبالتالي امّتنا الاسلامية أفرادا" وجماعات مطالبة باعادة النظر مجددا" في أصول سيرها وطرائق تفكيرها والبحث في سبب عجزها المتفاقم عن انتاج القادة والرواد ..
وقيل قديما" الثورة تأكل ابنائها – نعم عندما لا يكون هناك تسوية , وقيل " صراع الديكة " للتدليل على كثرة الرؤوس المتصارعة اذا اجتمعت ..
وليس أصعب من رؤوس فارغة من التقوى والخوف من الله , تظن أن لا يفعل بها " فاقرة "!!
عندما يشعر الانسان بعجزه وتقصيره امام الله ..يشعر بحاجة للتسوية وتصحيح المسار.. والصراع السياسي والطبقي والاداري لون من الوان العمل المسرحي ..فمن لم يتقن فنون العرض والاخراج وقبل ذلك القول والفعل لا يصلح لمهنة السياسة أي " الاخراج "
فاذا كان هدف المخرج تظهير صورة ما في مسرحية ما , فهدف السياسي والقائد أن يظهر الصورة كما يريدها هو وفق رؤيته المنطلقة من ثوابته وقيمه ..
فمن الصعوبة بمكان كبير الارتقاء المتواصل بالجماهير الى مستوى عال من النضال والمثابرة عليه بدون جهود مضنية يبذلها القائد لتحفيز جماهيره وادخالها في حالة مستمرة من الوعي والنضال الدائبين .
فما الذي يدفع الجماهير للتضحية والمثابرة وخوض طريق صعب لبلوغ أهداف شاقّة ..غير شعورها بقيمة التغيير وجدوى الحرية في مجتمع تقليدي مأسور !!!
ولكن حتى القيم الخالدة قد يأتي وقت ينفض عنها الناس بل ينقضّون عليها ..كما ينقضّ الاطفال على لعبهم المرتجاة يحطمونها كيدا" أو حسدا" أو بلها"..


وفي عالم النضال المهني أو السياسي أو حتى الديني ,يحتاج الانسان لأن يقوم بتسوية ما تخفف من تعبه فيخلد الى الراحة الرادعة لبروز الملل من التغيير أو اليأس من الاصلاح والتجديد..فتلجئه الضرورة الى التوقف لبرهة لالتقاط الانفاس والتنويع والتجديد ..
وهنا سر الحياة واستمرارها ..وهنا تنبثق تسوية ما لتضيء طريق شعب توّاق الى الحرية والانفتاق من قيود الماضي وأوهام المستقبل .

انها دعوة للعمل المباشر من أجل التغيير في بيوتنا ومجتمعاتنا وبيئتنا الحزبية الفائمة على التقليد السلبي الفاسد .. وليس كل تقليد مرذول ولكن التقليد الرتيب لمجرّد التقليد ولتغطية الفساد المتأصل في بعض النفوس المريضة يحرمنا انتاج قيادات ونصرة قيادات لامعة بوسعها الانتقال بالأمن من عصر الظلام الى عصور الوعي المبدع والثورة " الخلاّقة " ..

والبداية تكون أن نعالج مشكلاتنا ببساطة وبروح التسوية الايجابية لنتجاوز المنعطفات الصعبة ..دون يأس أو ملل ..فاذا كثر الأعداء واستفحل الداء -فهي طبيعة الحياة- تدعونا للكفاح وتشعرنا بمسؤوليتنا الكبرى في أن نبدع اتقان فن التسوية القائم على أساس من العدل لأن فيها دوام الملك ..أمّا اقرار المخطيء ومعاقبة المحسن فأمر يأباه العقل و ينافي العدل ولا يفعله الاّ من تأصّلت في نفسه رذيلة الجهل فسلك طريق "أبي جهل" الذي ما أغنى عنه ماله وما كسب .. فخسر الالتحاق بقافلة التغيير و خسر العاقبة الحسنى في الآخرة ..

انها دعوة للعودة الى مبادىء الشرق والترفّع والبعد عن الاسفاف في القول والفعل ,تدعونا للالتزام بها في سيرنا نحو التغيير , ولو كلّفنا ذلك تسوية ما قد تبدو ولأوّل وهلة خاسرة انطلاقا" من نظرة قاصرة .




لكن التسوية اذا كانت لا تكون الاّ لثلاث:
1. تأخير التحرّك نحو التغيير في مواجهة الخصم رغبة" في الاستعداد لانهائه
2. وامّا لاراحة الجماهير التائقة الى التغيير ودفع الظلم عنها لبرهة من الزمن ..أو مستقبلية في ظل خسارة محتمة ماثلة ..
3. وامّا لتحقـيق مكاسب آنيـة .
هذا ما أدعو اليه اخواني في سيرهم وممارستهم الحركية
قليل من (التسوية) ..ينعش قلب الانسان!!
مع الشكر للمعلّم الراحل كمال جنبلاط لاستفادتنا الفائقة من كتابه القيم (في الممارسة السياسية ) في تدبيج هذه المقالة.

6/10/2009

أيها العلماء... اسمعوا وعوا!



بقلم/ الشيخ جمال الدين شبيب

قال سفيان بن عبينة: " أرفع الناس منزلة" عند الله , من كان بين الله وبين عباده ,وهم الانبياء والعلماء "
قرأت قول سفيان (رحمه الله ) "فقرصني قلبي " فالأمر ليس باليسير ..والخطب جلل ..أن يجعل الله بينه وبين عباده "دخلا" !!
وليس الأمر على ما يظنّه البعض .. فالواسطة بين الحقّ والحلق حصرية لا مجال فيها للاطلاق ..رسل وأنبياء أو قادة " علماء " ..
ونحن في زمن أصبح العلم فيه زيّا" ..والاجتهاد منزلة والفتوى رأيا" ووجهة نظر ..
وعادت بي الذاكرة الى ذلك (الباص) الذي نقلني من مطار فيومنشينو في ايطاليا صيف 1986 الى بيروجيا للمشاركة في مؤتمر شبابي اسلامي يومها اليقيت " باحثة " اميركية لبنانية الأصل وبعد التعارف روت لي أنّها تعمل على موضوع الفتوى ولماذا هي ملزمة " عند الشيعة " وغير ملزمة "عند السّنة" ؟!! ومتى تكون كذلك ؟؟!..
وأخبرتني انها عائدة للتوّ من عند شيخ الازهر (رحمه الله)
وببساطة أوضحت لي أن الملزم هو فصل القضايا في القضاء , أمّا الفتوى فالالتزام بها يعود لمدى التزام المسـتفتي وهنا ..بيت القصيد ..
طالب العلم عندما يستفتي يطلب حكم الله , يبلغه اليه عالم الشرع ..أمّـا من يحب التسالي فهة يسأل للاستعلام أو الاستفهام ..
وهنا بيت القصيد في حالنا " معشر السنة والجماعة " لو فكّرنـا في حال الأمّة بدءا" من حال كل فرد ..لعظمت الخطوب وكثر النواح ..
فكيف اذا غابت العالمية (كسر الياء) عن ساحتنا وكثر المتعالمون المتهالكون على الكراسي الأولى والصورة والاطار حتى لو كان خاليا" من اهل مضمون ..
رحم الله الشيخ عمر الحلاّق "عالم صيدا " وقفيتها حيث بلغني قوله :
سيأتي يوم تكثر فيه الشراطيط (قطع القماش)بالايجار !!!
رحمه الله وهو يشير الى زمن تكثر فيه العمائم المأجورة التي لا تبغي سوى الربح المادي!!
رحمه الله وقد بلغني من قوله عن هية العالم الحقيقي انها " منشور " الفقر أي علامته ودليل ولايته اذا اردنا فعلا" أن نتقدم يا سادة علينا ابتداء" أن نعرف قيمة ما نختزنه من علم فنحرقه ونتخلّق بأخلاق أهله ..
ورضي الله عن " النظر بن شميل " حيث قال : " من أراد أن يشرّف في الدنيا والآخرة فليتعلم العلم " ..
ورحمه الله حيث يقول " وكفى بالمرء سعادة أن يوثق به في دين الله ..ويكون بين الله وبين عباده ..
عندما خرج الامام الراحل آيـة الله الخميني بما سمي نظرية ولاية الفقيه ..المعروفة قبله عند أهل الاسلام سنة وشيعة وحدد صفة الامام العادل " المخالف لهواه المطيع لأمر مولاه " في كتابه القيّم " الحكومة الاسلامية " ..
أوّل من حاربه ليس السلطات الحاكمة في تهران بل من يسمونه " برجال الدين " أكليروس المسلمين النائمين المنتظرين عصر الظهور ..ليغيّروا العالم ..
والجميع يتكلم ويفكر في تغيير العالم لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه, كان الامام الخميني يحاول أن ينطلق في رحلة التغيير فبدأ بالبنية التحتية عبر كتابه القيّم "الآداب المعنوية للصلاة " .
وعندما قامت الدولة السعودية الحديثة "الاولى " قامت على تحالف بين ما سمّي آنذاك بامام الدين "محمد بن سعود(الكبير) والشيخ محمد بن عبد الوهاب ..
وبعد معركة الدرعّيـة وفتح الرياض كانت دولة جمعت نجد والحجاز تحت سلطان عبد العزيز رحمه الله ..
وأيّة دولة لا تقوم في ديار المسلمين على أساس من قيادة الدنيا بالدين ..هي حطام وركام وأوهام وتسلّط حكّام ..
وعندما يقف "الـ على ماء " على أبواب الأمراء . ويوظفون لديهم برواتب الانعام ويحظون منهم بمواكب الاحترام ..

يا سـادة..
عندما يضيع الناس في زحمة القضايا والاستفسارات المفبركة تبعا" لنظرية الملفات (مع حفظ حقوق الرئيس الشهيد !) تارة" يشغلوننا بفتوى ارضاع الكبير من زميلته في العمل لاثبات " المحرمية " أو مرّة يملأون الساحة ضجيجا" بأن 20 اسما " من أسما ء له الحسنى (غير ثابتة ) سبحان الله بعد 1400 سنة ونيف يكتشف جهلة ما لم يكشفه أساطين وأعلام !!
يا ويلنا من الجرأة على الله ورسوله وعباده المؤمنين الصالحين !!
وتارة بالنقاب أم الحجاب ..
والمسألة أهون من ذلك بكثير ...
والله ما أدرى علام يتفلسف هؤلاء وأولئك ومتى يبلغون الحلم في العلم والعقل ؟؟!!
يا سادة نحن بحاجة الى قليل من العلم وكثير من الفهم والادب وحسن السمت عسى الله أن ينفع بنا وينفعنا والله من وراء القصد الهادي الى سواء السبيل ...



الاسلاميون وآليات "ادارة الأزمات"



بقلم /الشيخ جمال الدين شبيب


تعوّدت الحركة الاسلامية أن تمرّ بنعطفات حادّة وصعبة في الرأي أو الموقف أوالخيارات أو المسارات .. وعندما يدبّ الخلاف يخرج الود من الصف وتصبح القيادة عرضة للتشكيك والتخوين ..

أن تختلف القيادة والقاعدة في رأي أو موقف أو خيار أو مسار فهذا أمر طبيعي , كان الآل والاصحاب رضوان الله عليهم يعيشون مع رسول الله (ص) لكنهم لمحبتهم له وثقتهم به كانوا ينـزلزن عند أمره .. لأن الله أوكل الى القيادة أمر العزم والحزم فقال تعالى : ﴿ وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوّكل على الله ﴾ أي امضي لما أراك الله من الحق ..
ولكننا بعد النبي (ص)لا يجوز أن ينفرد القائد برأي لا يقوم على المحبة والثقة ..والاّ فما نراه من أزمات تكاد تكون مستعصية على الحل في كثير من الاقطار أو بل هي ماثلة في واقعنا..

وخطأ القواعد أن يفلسفوا الأمور وما لا يفهمونه ليطرحوا مقولة تشكك في قيادتهم أو تسعى للتشويش على خياراتها ..وغالبا" ما تتسلل المصالح الذاتية لتتغلّب في نفوس بعض الضعفاء على مصلحة الجماعة وهنا تكمن المشكلة ..اتهام فتخوين فتساقط من قطار الدعوة ....

من هنا كان لا بدّ من وجود آاليات لادارة الأزمات عند الاسلاميين فهم كسواهم من الناس يختلفون ويفترقون وربما تقاطعوا وتدابروا "ولعن " آخرهم أوّلهم وهكذا تجري الحياة كلما جاءت أمـّّة لعنت اختها وأوّل هذه الآليات :

v أن الخلاف أمر طبيعي مركوز في فطرة البشر , حتى الابن يختلف مع أبيه والأم مع ابنتها ..وأسوأ خلاف في التاريخ كان خلاف الشيطان مع ربه ..الذي سمع منه وحاوره وأنظره ..فلماذا نبترم من الاختلاف ونشكك بمن يسير في دربه وهو أمر طبيعي ..حتى صحابة النبي (ص) كانوا يختلفون والأمثلة كثيرة لكنهم يسألون أهو الوحي أم الرأي .. فبعد الوحي لا كلام ولكن بعد الرأي هناك التدبير وتلاقح الاراء ..

v إدراك أهم الاسباب المؤدية للاختلاف وأهمها :
أ‌- ضعف الثقة بالقيادة .
ب‌- ابتعاد القيادة وانعزالها عن القاعدة وهمومها .
ت‌- اتباع الهوى وضعف الايمان .
ث‌- التعصب للرأي الحزبي والجماعة والتنظيم وتغليبه على الشرع .

v الاعتراف بوجود الاختلاف أو الخلاف..وللأسف فان بعض الاسلامييـن يعتبرها "عنـزة ولو طارت " حتى لو انفرط عقد التنظيم وطار خيـرة كوادره ورموزه ما دام من يتربع على عرش القرار ماكثا" ابدا" فلا ضير ... "وان يكن بهم خير فسيلحقهم الله بكم " ما أشنع هذا التحريف للنصوص !! فالنصر في رأي الذي كان " أمة" وحده ووفاته منبوذا" في الصحراء كافية لاثبات اهميته وجرأته في الحق وثباته عليه في وجه ما رآه باطلا" وتحريفا" لتعاليم الاسلام من السلطات الحاكمة .

v تطوير الثقافة التنظيمية لتستوعب الخلاف وتديره بدل تفجيره واقصاء المخالفين تجميدا" وفصلا" , فالقيادة التي لا تستوعب الاختلاف ولا تديره هي قيادة هلامية لا خط لها من اسمها الا الحروف المتجردة المفككة !

v البعد عن منطق التخوين فلا القيادة يجوز لها ذلك ولا القاعدة بل حسن الظن اولى " واذا ظننت فلا تحقق " لأن الظن في هذه الحال "أكذب الحديث " ما لم تدعمه وقائع واثباتات وقرائن تجعله من "حسن الفطن"

v التفاوض العقلاني ومواجهة الافكار والاشخاص والبعد عن تجريح الاشخاص والهيئات وعدم الكلام الاّ بالخير..

v ادراك الاختلاف رحمة وسعة للأمة وليس ظاهرة مرضية ..ورحم الله أئمتنا الاعلام من قال منهم :"رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب "
نعم رحم الله امامنا محمد بن ادريس الشافعي , الذي علّمنا أدب الخلاف وفن الاختلاف .

وفي المحصّلة .. فان الحوار الهادىء العقلاني حاجة موضوعية وضرورة شرعية وحضارية للحؤول دون سيادة ثقافة التخوين و التشكيك في صفوف الاسلاميين وان الاخذ بالآليات والتوجه نحو البناء لا الهدم من كلا الفريقين قادة" وقاعدين كفيل بتوفير أجواء النقاش الموضوعي لمختلف الآراء والحفاظ على الشخصية الاعتبارية لأصحايها وبناء الشخصيات المتوازنة القادرة على القيام بمهام النهوض الحضاري بالحركة الاسلامية الى مواقع التأثير والقرار

*بتصرّف عن الرسالة في العمل الاسلامي - (م.محمد.الحمداوي) - حركة التوحيد والاصلاح *