الخميس، 13 مايو 2010

الإسلاميون في زمن التسوية

في الممارسة الحركية(1)



بقلم / الشيخ جمال الدين شبيب

"انّ محبتي للحقيقة أرشدتني الى جمال التسوية في كل أمر"
المهاتما غاندي

التسوية القائمة على مبدأ التوازن المتبادل أمر يعيشه كل انسان في كل لحظة من لحظات حياته ..فالانسان حين يكون كلاّ" أو حين يكون عدلا" , محكوم بالتسوية كما فطره الله تعالى ..
ومبدأ التكيّف فينا معشر البشر متأصل ومتجذّر يعوّدنا على اكتساب نعمة التوازن . هذا التوازن القائم على مواكبة المتغيرات المستجدة في حياتنا واحداث ذلك التواؤم المطلوب ..والمتبدّل على الدوام بتبدّ ل ظروفه وما يحيط به من البيئة الطبيعية والاخلاقية .
ولمّـا كانت أمزجة البشر وأطباعهم مختلفة وبدرجات متفاوتة , تعود الانسان ان يكون "سويا" " في كل خطوة جسدية أو معنوية في حياته على وجه الارض , تماما" كما الطبيعة المحيطة به ..ليل ونهار ..حرارة وبرودة ..رطوبة ويباس ..فصول تروح وأخرى تجيء..
وهكذا بالنسبة لحياتنا الاجتماعية ..حب وكراهية , حق وباطل , نور وظلمة , ففي كل مفصل من مفاصل حياتنا على وجه البسيطة تسوية من نوع ما ..

حتى في تعايشنا داخل الأسرة الواحدة التسوية قائمة ومستمرة في الموازنة بين دور الأب والأم , الكبير والصغير , الغني والفقير , لا بدّ مع كل تضاد من تسويـة ما تحول دون انفراط العقد وحصول الضرر..والذي يعتقد ان بامكانه الخروج عن هذا المبدأ هو واهم , فمن خرج عن التسوية " خرج عن الجماعة " على حد تعبير المعلّم الراحل كمال جنبلاط .
و التسوية تفترض التعارف . أن يعرف كل منّا الأخر ويقدّر له قدره , فلا يغمط الأخر حقّه في الحياة والحرية والكرامة والاستقرار .
كما تفترض التسوية تفاهما" من نوع ما بما يحول دون التنافر والتضاد عبر تغليب المصالح المشتركة ولو لفترة من الزمن .
"فالعقل سابق على الاقتصاد والفكر سابق للمادة باعتراف معلّم من وزن كمال جنبلاط ..
حتى الماركية بمـا هي عليه من نهج متطور مرتق من التفكير وتحليل الوقائع والتوازن واستيعاب المتغيّرات وتصويب الطرائق والسبل , لم تسطع تجاوز خط التسوية في الحياة ..مع نقيضها الرأسمالية ولعلّ " بيروستريكا " "ليشرف ليا" في بولندا فضحت الكذبة بعشرات السنين قبل " بيروستريكا" غورباتشيف
وبالتالي امّتنا الاسلامية أفرادا" وجماعات مطالبة باعادة النظر مجددا" في أصول سيرها وطرائق تفكيرها والبحث في سبب عجزها المتفاقم عن انتاج القادة والرواد ..
وقيل قديما" الثورة تأكل ابنائها – نعم عندما لا يكون هناك تسوية , وقيل " صراع الديكة " للتدليل على كثرة الرؤوس المتصارعة اذا اجتمعت ..
وليس أصعب من رؤوس فارغة من التقوى والخوف من الله , تظن أن لا يفعل بها " فاقرة "!!
عندما يشعر الانسان بعجزه وتقصيره امام الله ..يشعر بحاجة للتسوية وتصحيح المسار.. والصراع السياسي والطبقي والاداري لون من الوان العمل المسرحي ..فمن لم يتقن فنون العرض والاخراج وقبل ذلك القول والفعل لا يصلح لمهنة السياسة أي " الاخراج "
فاذا كان هدف المخرج تظهير صورة ما في مسرحية ما , فهدف السياسي والقائد أن يظهر الصورة كما يريدها هو وفق رؤيته المنطلقة من ثوابته وقيمه ..
فمن الصعوبة بمكان كبير الارتقاء المتواصل بالجماهير الى مستوى عال من النضال والمثابرة عليه بدون جهود مضنية يبذلها القائد لتحفيز جماهيره وادخالها في حالة مستمرة من الوعي والنضال الدائبين .
فما الذي يدفع الجماهير للتضحية والمثابرة وخوض طريق صعب لبلوغ أهداف شاقّة ..غير شعورها بقيمة التغيير وجدوى الحرية في مجتمع تقليدي مأسور !!!
ولكن حتى القيم الخالدة قد يأتي وقت ينفض عنها الناس بل ينقضّون عليها ..كما ينقضّ الاطفال على لعبهم المرتجاة يحطمونها كيدا" أو حسدا" أو بلها"..


وفي عالم النضال المهني أو السياسي أو حتى الديني ,يحتاج الانسان لأن يقوم بتسوية ما تخفف من تعبه فيخلد الى الراحة الرادعة لبروز الملل من التغيير أو اليأس من الاصلاح والتجديد..فتلجئه الضرورة الى التوقف لبرهة لالتقاط الانفاس والتنويع والتجديد ..
وهنا سر الحياة واستمرارها ..وهنا تنبثق تسوية ما لتضيء طريق شعب توّاق الى الحرية والانفتاق من قيود الماضي وأوهام المستقبل .

انها دعوة للعمل المباشر من أجل التغيير في بيوتنا ومجتمعاتنا وبيئتنا الحزبية الفائمة على التقليد السلبي الفاسد .. وليس كل تقليد مرذول ولكن التقليد الرتيب لمجرّد التقليد ولتغطية الفساد المتأصل في بعض النفوس المريضة يحرمنا انتاج قيادات ونصرة قيادات لامعة بوسعها الانتقال بالأمن من عصر الظلام الى عصور الوعي المبدع والثورة " الخلاّقة " ..

والبداية تكون أن نعالج مشكلاتنا ببساطة وبروح التسوية الايجابية لنتجاوز المنعطفات الصعبة ..دون يأس أو ملل ..فاذا كثر الأعداء واستفحل الداء -فهي طبيعة الحياة- تدعونا للكفاح وتشعرنا بمسؤوليتنا الكبرى في أن نبدع اتقان فن التسوية القائم على أساس من العدل لأن فيها دوام الملك ..أمّا اقرار المخطيء ومعاقبة المحسن فأمر يأباه العقل و ينافي العدل ولا يفعله الاّ من تأصّلت في نفسه رذيلة الجهل فسلك طريق "أبي جهل" الذي ما أغنى عنه ماله وما كسب .. فخسر الالتحاق بقافلة التغيير و خسر العاقبة الحسنى في الآخرة ..

انها دعوة للعودة الى مبادىء الشرق والترفّع والبعد عن الاسفاف في القول والفعل ,تدعونا للالتزام بها في سيرنا نحو التغيير , ولو كلّفنا ذلك تسوية ما قد تبدو ولأوّل وهلة خاسرة انطلاقا" من نظرة قاصرة .




لكن التسوية اذا كانت لا تكون الاّ لثلاث:
1. تأخير التحرّك نحو التغيير في مواجهة الخصم رغبة" في الاستعداد لانهائه
2. وامّا لاراحة الجماهير التائقة الى التغيير ودفع الظلم عنها لبرهة من الزمن ..أو مستقبلية في ظل خسارة محتمة ماثلة ..
3. وامّا لتحقـيق مكاسب آنيـة .
هذا ما أدعو اليه اخواني في سيرهم وممارستهم الحركية
قليل من (التسوية) ..ينعش قلب الانسان!!
مع الشكر للمعلّم الراحل كمال جنبلاط لاستفادتنا الفائقة من كتابه القيم (في الممارسة السياسية ) في تدبيج هذه المقالة.

6/10/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق