إخواني
لا شك أن فيما نزل ببلاد الشام الحبيبة وأهلها من البلاء والقتل والفتن ، يدمى القلوب : قتل وتشريد وبلاء يحز في نفوس المؤمنين وخاصة لما ُيرى وُيشاهد من تكالب الأعداء وقلّة الناصر وعجز الأصدقاء! ولكن المؤمن الذي ينظر لما يجري بعين البصيرة والاستسلام، ويستحضر في هذا المقام قول ربنا عزّوجلّ:
"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". البقرة:214.
وقوله تعالى:"إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا".الأحزاب:10-12.
وقوله تعالى:"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".آل عمران: 139-140.
وليعلم أهلنا في بلاد الشام أنه قد وقع مثل هذا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أقبلوا عليه طالبين منه الدعاء والتضرع إلى الله ليكشف عنهم مصابهم، إلا أنهم -رضي الله عنهم- ما زادوا على أن قالوا: "متى نصر الله؟"، وقالوا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فحثهم -عليه الصلاة والسلام- على التحلِّي بالصبر، وعدم استعجال النصر، وقصَّ عليهم مثلاً مما أصاب مَن قبلهم،
فقال: "كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيوضَع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصبٍ، وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون". رواه البخاري .
واقرأ معي أيها الأخ المؤمن قوله تعالى:"وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ *فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".آل عمران: 46.
وتأمل كيف يحثُّنا ربُّنا -عز وجل- على الاقتداء بمن سلف من أتباع الرسل الذين صبروا في المواقف الصعبة، ولهجت ألسنتهم بالتوبة والاستغفار وطلب النصر والتثبيت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق