الخميس، 1 أكتوبر 2009

الشيخ جمال الدين شبيب خلال لقاء تلفزيوني على قناة المنار- عنوان المقابلة: حسن الخاتمة

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

هذيان ... " ثقافي "!!


من يقرأ لبعض المستكبتين الموتورين "و المعقدين" بامتياز من سيادة أجواء الصحوة والوعي الإسلامي في مجتمعنا العربي منذ نحو عقدين ونيف من الزمن يشعر بكثير من " القرف" وقليل من "الرثاء" لحالة أولئك المتسلقين على الأقلام الباحثين عن الشهرة والمجد المتخذين شتم نيهم وتسفيه عقيدة مجتمعهم طريقاً سريعاً وسهلاً للشهرة وتحقيق الذات!.

قرأت لأحدهم كلاماً يبدي فيه تبرمه وضيقه مما يسميه "سيادة مرجعية الفتوى على مرجعية القانون" بما يقلل من مساحة "الدولة المدنية" على حساب تضخم "الدولة الدينية"!.

ومن يقرأ يعتقد أنه يعيش قروناً عفا عليها الزمن .. ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

يتباكى المسكين على "الحريات" الضائعة بين السلطات السياسية والسلطات الدينية وينعى تحالف ما يسميه بالاستبداد السياسي و الاستبداد باسم الدين..! ويسارع إلى دعوة من يسميهم بـ "نحن المثقفين" إلى السعي :
1- لتفكيك هذا الحلف غير المقدس.
2- الاجتهاد لإلغاء أو تعديل القوانين التي تكبل حرية الرأي والإعتقاد (مثل قانون الجنسية / مصر).
3- تنقية الاعلام والتعليم من النزعات لطائفية وشهوة نفي الآخرة.
4- عزل الجهات الدينية عن التدخل في كل صغيرة وكبيرة. فنحن أدرى بشؤونه دنيانا وحيثما توجد المصلحة فثم وجه الله!
5- انقاذ الدولة المدنية من قبضة الدولة الدينية وتحرير الوطن بل الدين نفسه من سجن فقهاء الظلام..!
6- إقامة تحالف المقموعين في مواجهة تحالف القامعين ليشكل سداً في وجه الشلال الجارف الذين يهدد الحضارة والحرية والحياة والأنسان ؟! (راجع صحيفة الحياة- الأحد 16 / أب 2009– ص14 – تيارات).

بالله عليكم ألا تطنون أننا نعيش عصر الإسلام الحاكم الآمر الناهي – ربما البعض يسؤوه ذلك...
ربما لم تصل الحركة الإسلامية اليوم إلى سدة الحكم في كثير من الأقطار بل في معظمها...لكن تأثيرها في اتساع مساحة الوعي والعقل في المجتمع أصبح أكثر من ظاهر...وما هذا التبرم والضيق الذي يبديه هنا وهناك .. بعض من بقايا اليسار الملحد البائس...مما يضيء لنا ويشكل صورة لما هو قادم من النصر والتمكين والسيادة لحكم الله في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بإذن الله.

ورغم أن بعضاً من الكلام الوارد على ألسنة هؤلاء يمكن إدراجه في خانة كلام الحق الذي يراد به الباطل.... لذلك لا ينبغي أن تأخذنا نشوة الإنتصار فلا نستمع لأنين الآخر. إن دورنا كإسلاميين يبدأ من تبديد هواجس الآخر والحوار معه وإقناعه بما نراه ونعيشه من الحق...فإن تجنّى وأصر على هذيانه..اكتفينا بالتمسك بما نراه من الحق دون إستئثار أو سعي لاستئصال أو إلغاء المخالف.....

..حتى في زمن النبوة والخلافة الراشدة كان هناك مخالفون مصادون ومشككون في صلاحية المشروع الإسلامي وأهليته وسيادته.... يضخمون ما يتوهمونه أخطاءً تشوبه – ولو كان هدفهم الإصلاح لاستمعوا إلى صوت الحوار القرأني والهدى النبوي- لكن عقدة "الأستكبار" صدتهم عن الحق...وها نحن اليوم ندعو الجميع إلى كلمة سواء ويهمنا أن نوضح الأتي:

إن تسميم عقول الأجيال الطالعة عبر تشويه التعاليم الإسلامية ووصم من يدعو إليها بالإرهاب تارة والتخلف و التطرف آخرى دون وجه حق. أمر غير منطقي وغير مقبول .. فمن يقوم بأعمال إرهابية (القتل لمجرد القتل أو للتأثير في آراء الآخرين ) فهو إرهابي أما من يدافع عن أرضه وعرضه فهو مقاوم ومجاهد شريف.

ومن يدعو إلى الله على بصيرة ويجادل بالي هي أحسن لا يمكن أن يكون متطرفاً أو مقيداً للحريات الإنسانية التي كفلها الإسلام للناس جميعاً .. بل محاوراً لبقاً متميزاً.....

ولا أنكر أن بعض من يحملون الإسلام ولواء الدعوة إليه ربما يأخذهم الحماس ويعوزهم الأسلوب السليم لكن هذا نادر والنادر لا حكم له.

وعندما يدعو البعض لانقاذ الدولة المدنية من "الدينية" يؤكد لنا مدى نجاح المشروع الإسلامي ومدى الخطر الذي تيهدد أعداءه فهم يرون مشروعنا قاب قوسين أو أدنى من قطف الثمار.

وربما الصبح موعدهم.. أليس الصح بقريب؟! ولعل دعوة أولئك المستأجرين لتحرير الأوطان من سجن فقهاء الظلام تؤكد لنا مدى الظلام الذي يعيشونه في داخلهم عندما يهرفون بما لا يعرفون.

فحتى الساعة لم أجد من يوضح لي معنى هذا التركيب (فقهاء=دقة الفهم) + (ظلام=جهل وعماء) كمن يقول صبح الليل أو ليل الصح. وهل أسخف من ذلك بعد؟!.

وأشكر دعوة أولئك "الضالين" المتحالفين "المغضوب عليهم" للرجوع إلى الصواب و الإبتعاد عن فعل القمع الذي أتقنوا ممارسته بل ومازلوا يمارسونه على عقولهم قبل الأخرين.

وما زلنا نذكر مآثر تسامحهم في الدول الإسلامية المحتلة في "الاتحاد السوفياتي" ومجموعته الاشتراكية في بعض الدول العربية والإسلامية بل من العيب الكبير أن يتحدث الجلاد عن القمع والإضطهاد ويلبس الذئب ثوب الحمل ليزعم أنه من المقموعين.,,

ورحم الله من قال: رمتني بدائها وانسلت وأختم بقول الله عز وجل [ فإنها لا تعمى الأبصار...ولكن تعمى القلوب التي في الصدور] أعاذنا الله وإياكم من عمى القلوب. ونور قلوبنا وأبصارنا بأنوار الحق والتوحيد والإيمان و الإسلام.

السبت، 22 أغسطس 2009

الصوم : مدرسة الحرية !

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون}. في هذا الشهر ـ شهر رمضان المبارك ـ يريد الله تعالى أن نربّي شخصيتنا الإسلامية على أساس تقوية الإرادة أمام كل التحديات التي تواجه الإنسان في مواقف حياته كلها ، وفي كل الواقع الإنساني.
.. لأن المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم تنضم إليها الإرادة، وقد ورد في الصالحين: أن الإرادة كلّما قويت كلما قوي البدن معها حتى لو كان ضعيفاً، وقد جاء في الأثر: "ما ضعف بدن عما قويت عليه النيّة"، إذا كنت تملك الإرادة القوية والنية الحاسمة، فإنها تعطي بدنك قوّة لتنفيذ ما نويته وأردت أن تفعله.
فالإرادة هي من الأمور التي تتصل باستقامة الحياة أمام كل نقاط الضعف والتحديات، وهذا ما نلاحظه في الانحرافات التي تحدث للإنسان، سواء كان ذلك في عاداته السلبية، كالإدمان على التدخين أو المخدرات، أو بعض العادات التي يمارسها الكثيرون من المراهقين أو غيرهم، مع علمهم بضررها، وهم المصلّون الصائمون.
وعندما تطلب من مدمن أن يمتنع عن إدمانه لأنه يُضعف صحته أو ربما يؤدي به إلى التهلكة، فيكون الجواب: "إني لا أقدر"، والواقع أنه قادر على ذلك، ولكن إغراءات الشيء الذي يدمنه أضعفت إرادته، .. ولكن عندما يتوازن في نظرته للأشياء، فيحكم على نفسه أو لنفسه من خلال هذا التوازن يستطيع أن يصمد وينتصر بقوة إرادته..
...على ضوء ذلك، أراد الله تعالى للإنسان أن يمر بهذه الدورة التدريبية خلال هذا الشهر الكريم شهر رمضان ، من أجل أن يقول لنفسه: "لا"، فعندما يأتي شهر رمضان، فإن الإنسان المسلم يمتنع عن كل ما اعتاده أثناء النهار من شرب القهوة وتناول الإفطار الصباحي وما إلى ذلك، فلماذا يترك كل هذه الأمور؟ لأن الله تعالى نهاه عن أن يتناول هذا المفطر أو ذاك، وعندما تتطوّر هذه الحالة، فإنه تولد لديه حالة جديدة تنطلق من قوة الإرادة. فالقضية هي أن لا يمارس الإنسان شهر رمضان كعادة، بل أن يتحرك فيه كشهر عبادة يتحرر فيه من العادة، بحيث يصبح في تجربته هذه ووعيه لمعناها إنساناً يواجه بالرفض كل شيء سيىء وبالقبول كل شيء خيّر، وهذا الذي يرتفع بإنسانية الإنسان.
ما الذي يجعلك حراً وتمارس حريتك أمام الذين يحاولون أن يستعبدوك، وهم يملكون القوة والمغريات ويهددوك في الكثير من شؤون حياتك؟ إنها إرادة القوة في شخصيتك، لأنك عندما تؤمن بأن الله خلقك حراً، عند ذلك تكون حريتك أقوى من رغباتك.. وقيمة الإنسان إنما هي بمقدار ما يقول "لا" في ما يرفضه و "نعم" في ما يقبله، ولكن بعض الناس دائماً يقول "نعم نعم "، والبعض دائماً يقول "لا"، والأساس أن يكون هناك توازن في الـ"نعم" والـ"لا".
وهذا ما يجعل الشعوب قادرةً على أن تتحدّى إرادة الطواغيت والجبابرة الذين يصادرون حريات الناس في السياسة والأمن والاقتصاد، وحتى في الدين والاعتقاد.. لأنها ترى في حريتها عزتها وكرامتها وإنسانيتها، وإلا ما الذي يغري المجاهدين في سائر أنحاء العالم بالتضحية بأنفسهم وتحمّل المصاعب والمشقات في مواجهة أعتى الامبراطوريات الظالمة والغاشمة؟ الذي يغريهم هو إيمانهم بالحرية التي منحها الله لهم في إرادتهم الحرة.
لذلك نجد أن الشعوب التي تعطي قيادها للظالمين والجبابرة هي شعوب لا تعيش إنسانيتها. وقد ربط بعض الأئمة الحرية بالصبر على الحرمان، بقوله "إن الحر حرٌ في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن استُعبد واُسر".
ليست القضية هي أن تعيش طعامك وشرابك، ولكن أن تكون حراً في لقمتك، وحراً في الماء الذي تشربه. هذا الجانب ينبغي لنا أن نرفده في أنفسنا عندما نصوم. مثلاً هناك بعض الناس الذي يعيش حالة الغضب والغيظ في نفسه خارج الصيام، يعنف ويغضب على أهله وعلى موظّفيه وعماله، أو على الكثير من الناس الذين هم أضعف منه، فإذا جاء شهر رمضان ارتفعت درجة الغضب عنده، والعذر بالنسبة إليه أنه صائم؟! ومن المفروض أن تصوم عن كلِّ هذا الغضب، وأن تخشى الله في ذلك، فإذا أفطرت على طعام وشراب فسوف يعاقبك الله، فهناك إفطار معنوي أخطر من الإفطار على الطعام والشراب، وهو الظلم.
..فعلى الذين يعيشون الغضب، أن يعيشوا في شهر رمضان حالة الطمأنينة والسكون، لأن ما تقرأه من القرآن في شهر رمضان، من المفروض أن يربي لك طباعك ومزاجك، وهكذا في الأمور الأخرى.
وحتى لا أطيل.. تقبل الله طاعتكم ووفقنا وإياكم للتأدب بأدب رمضان..

قرأت لك : الحكمة الإلهية من الصوم

يقول الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في فصل عقده لبيان الحكمة الإلهية في الشرائع في كتابه " مفتاح دار السعادة " :
" وأما الصوم فناهيك به عن عبادة تكفُّ النفس عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين، فإن النفس إذا خُلّيت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم، فإذا كفّت شهواتها لله ضيّقت مجاري الشيطان، وصارت قريبة من الله بترك عاداتها وشهواتها ومحبةً له وإيثارا لمرضاته، وتقربا إليه، فيدعُ الصائم أحب الأشياء إليه، وأعظمها لصوقاً بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه، فهو عبادة، ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله.
فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه، وهذا معنى كون الصائم له تبارك وتعالى وبهذا فسر النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الإضافة في الحديث : " يقول الله تعالى : كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها ، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه من أجلي " .
حتى أن الصائم ليتصوّر بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا تحصيل رضى الله .
وأيّ حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة ،وتقمع النفس،وتحيي القلب وتفرحه ،وتزهد في الدنيا وشهواتها ،وترغب فيما عند الله،
وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم ، وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم، فتعطف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكراً .
وبالجملة فعون الصوم على تقوى الله أمر مشهور، فما استعان احد على تقوى الله، وحفظ حدوده، واجتناب محارمه بمثل الصوم .
فهو شاهد لمن شرعه وأمره به بأنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأنه إنما شرعه إحسانا إلى عباده ورحمة بهم ولطفاً بهم ، لا بخلا عليهم برزقه ولا مجرد تكليف وتعذيب خالٍ من الحكمة والمصلحة، بل هو غايةُ الحكمة والرحمة والمصلحة، وإنَّ شرعَ هذه العبادات لهم من تمام نعمته عليهم ورحمته بهم " .

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

نحو خارطة طريق للوحدة الإسلامية في لبنان



إن مما لا شك فيه أن الهم الوحدوي بين السنة والشيعة في لبنان هو همّ مشترك بين كافة الإسلاميين المخلصين الساعين لإقامة الإسلام في الحياة وإستئناف مساره التصاعدي في ساحة الفعل والتأثير في المجتمع.

ولا أزعم في هذه العجالة بأن هذه الوريقات القليلة يمكنها أن تنتج لنا إطاراً ناظماً لمسار خط الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة اللبنانيين. ليس تقليلاً من شأن ما تتضمنه من رؤى وأفكار بل لإيماني العميق بأن مقام رجل في ألف رحل خير من كلام ألف رَجُل لرجل.

ولعل ما شاب العلاقات بين طليعة المذهبيين الإسلاميين من شوائب أعقبها فتور وشكوك وإتهامات للنوايا ونقد قاسٍ للمسالك التي انتهجها البعض هنا أو هناك.

كل هذه جعل من الخط البياني لمسار التوجه الوحدوي في إنحدار شبه تام ومتواصل من هنا أعتقد بأن الأمر يحتاج إلى وقفة صادقة للمراجعة والمحاسبة الذاتية داخل كل طائفة ومذهب بل داخل من يمثلون طليعة حركية واعية داخل هذه الطوائف والمذاهب.

ولا أريد أن نستغرق في المحاسبة لدرجة جلد الذات, أو رمي الآخر بما نعاني منه نحن في الأصل بل أريد أن يتم تقييم وتقويم للمسار هنا وهناك في كلا الساحتين.

واسمحوا لي أن أنطلق من تحديد نقاط الضعف ونقاط القوة توصلاً لتحديد الفرص المتاحة والمخاطر في قراءة واقعية لساحتنا الإسلامية في لبنان.

بداية أبداً بتحديد نقاط القوة في هذه الساحة الوحدودية:

أولاً: في لبنان اليوم قوى إسلامية سنيّة وشيعية واعية وعلى قدر من المسؤولية.
ويمكننا أن نراهن بقوة على درجة الوعي والإلتزام التي تتمتع بها القوى الطليعية في كلا الساحتين.

وقد ظهر هذا, جلياً خلال الأزمة السياسية التي أعقبت إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاه من إغتيالات, وإنقسام حكومي وإعتصامات وإشتباكات متنقلة عبر الإحياء البيروتية من الطرق الجديدة وما تلاها من أحداث عائشة بكار وإزهاق أرواح بريئة لا شك أرخت بظلالها وما تزال على الساحة الإسلامية.
وبالرغم من كل ما جرى نستطيع القول: إن حزب الله سعى لضبط إيقاع شارعه بالحد الأدنى وحال دون إنفلاته. كذلك فعلت الجماعة الإسلامية رعم وقوفها سياسياً مع خصوم المعارضة ونقدها الشديد لأداء هذه المعارضة وطليعتها حزب الله في الساحة السياسية.
فتماسك هذه القوى الطليعة وتمسكها بالحد الأدنى أو المعقول من النفس الوحدوي حال حتى الأن دون حصول المزيد من الويلات.

ثانياً: في الساحة مرجعيات دينية وسياسية وحدوية وعلمية فاعلة قد تكون وازنة أكثر في الساحة الشيعية ولكن وحتى بعد رحيل فتحي يكن لايمكننا أن ننسى دوره وإخوانه في جيهة العمل الإسلامي لجهة الضغط بإتجاه حصر الصراع على الساحة بالشأن السياسي دون التورط في آتوان الفتن والإقتتال المذهبي الذي سعى إليه البعض بقوة من بداية الأحداث.

ولا يمكننا أن نغفل دور أمثال سماحة المرجع الديني أية السيد محمد حسين فضل الله في وضع الأصبع على الجرح وبذله لكل ما يملك من نصح وتوجيه وتحذير من الوقوع في المنزلقات لكل مكونات الساحة الإسلامية.
كذلك في الساحة مكان وازن لتجمع العلماء المسلمين الذين يضم علماء وحدويين أصحاب خبرة طويلة في تعبيد ورصف طرقات الوحدة الشديدة الوعورة في مثل هذه الأيام.

ورغم كثير من الإتهامات الطالمة التي لحقت وتلحق بالعلماء الموجودين في كلا الساحتين لكن غالبية الساحة الإسلامية كثيراً أما كانت تعبر عن سعادتها كلما رأت علماء من هنا وهناك يسيرون صفاً واحداً لحضور إحتفال أو المشاركة في عزاء.

هذه المرجعيات الدينية والسياسية الوحدوية إستطاعت بلا شك أن تخفف من اضطرام النار المذهبية وتؤسس لفكر وعمل وحدودي ينطلق من عموم الإسلام ويترك مساحة للخصوصيات بما يحول دون إثارة الحساسيات ونبش الخلافيات التي يجب أن لا تنزل إلى ساحة العامة دون إطار واعٍ يحدد مسارها بما يحترم وحدة المسلمين ويحقق الإستفادة من دروس الماضي في بناء الحاضر.


ثالثاً: تداخل الساحتين السنية و الشيعية في لبنان اجتماعياً و ديمغرافياً يشكل حال دائماً دون استفادة الأعداء من امكانية تفخيهما من الداخل.
فهناك نسبة كبيرة متزاوجة تربطها من هنا و هناك علاقات مصاهرة أو خؤولة أو عمومة بحيث يمكن الاستفادة جيداً من هذه الناحية في تعميق و توسعة مساحة الوعي لدى كل من الطائفيتن... بما يخدم خط الإسلام الأصيل – وتشجيع النماذج الواعية في كلا الساحتين على نبذ ومحاصرة الآراء المتشددة هنا وهناك بما يحول دون إحداث "النقزة" والنفور من الزاوج الجامع ولا أسميه المختلط باعتبار أن عناصره متجانسة وليست غريبة أو متنافرة....فالإسلام العظيم يجمعنا...ففيم الفرقة والاختلاف؟!
كذلك الإنتشار الديمغرافي سواء في الجنوب أو البقاع أو بيروت كان و مازال متدخلاً باستثناء مناطق محددة هنا و هناك...هذه المساحة المشتركة يمكن أن تؤسس لحياة مشتركة قائمة على التفهم و الممارسة الإسلامية الصحيحة و احترام آراء و أفكار الآخر المخالفة للكثير من المورث الذي يحتاج للكثير من التصفية والتنقية على يد الجهابذه المختصين في كلا المذهبين.


رابعاً: وجود "المقاومة الإسلامية" بما تمثله من زخم عسكري وأمني وسياسي و دخول حزب الله المعترك السياسي اللبناني برلمانياً وحكومياً...كل هذا يمكننا أن نعتبره عنصر قوة دافعة لخط الوحده الإسلامية.
رغم وجود بعض الملاحظات على بعض الأداء السياسي الداخل للحرب عند بعض الإسلامية السنة. لكن إحياء النفس المقاوم في الساحة الإسلامية عامة وضبط الإيقاع الشيعي وتوجيهه نحو مشروع المقاومة كان و ما يزال يمثل رافعة بخط الوحدة الإسلامية منذ وما يزيد عن عقدين و نيف من الزمن.


خامساً: دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية و قيادتها المرجعية و الرسمية لخط الوحدة في ساحة العالم الإسلامي عموماً والساحة اللبنانية على وجه الخصوص وما تبذله من دعم مادي ومعنوي كل الخيارات والاختيارات اللبنانية المتوائمة مع الخط الوحدوي الإسلامي كان ومايزال يشكل صمام الأمان الذي يحفظ الساحة الاسلامية اللبنانية من تأثير صواعق التفجير الوافدة عبر الحدود سواء النابعة من الفهم القاصر أو التوظيف السياسي الرخيص من هنا أو هناك. و بالتالي، فإن الجمهورية الاسلامية مدعوة كما عهدناها لمواصلة مسارها الداعم للخيارات الوحدوية ليس في لبنان فحسب و إنما على امتداد ساحات الصراع مع أعداء الإسلام.
رغم الظروف الصعبة التي يحاول البعض أختلاقها في الداخل الإيراني لصرفه عن قيادة مسيرة الصراع مع أعداء الإسلام ومتابعة جهوده لحفظ الساحة الإسلامية عامة مشكوراً شكراً موفوراً لوعيه وفقهه وحسن إدارته...
ولا شك بأن المتأمل سيجد المزيد من عناصر القوة لكنني أكتفي بهذه اختصاراً وعلى سبيل التمثل وليس الحصر.





نقاط الضعف :
وانطلق لدارسة عناصر الضعف في كلا الساحتين :

أولا: الممارسات الخاطئة : قولاً و فعلاً. لا شك بأن عمليات الشحن المذهبي التي مورست قبل و بعد أحداث السابع من أيار و ماتزال يتحمل مسؤوليتها ليس فقط من يسعى لنشرها وتعميمها وغرسها في وعي الناس.
ولكن للأسف كثير من الأقوال تنطلق في الغرف المغلقة و الساحات الضيقة لكل فريق تبرماً أو استئثاراً أو تحت غلاف النقاش التاريخي في كثير من المناسبات.
كل هذا ولد "نقرة" ونفوراً مشتركاً في كل من الساحتين. هذا إذا استثنينا الشتائم المذهبية و الشعارات الطائفية الضيقة.
وصولاً إلى الممارسات الفعلية المغلفة بالغلاف المذهبي و المنطلقة في الحقيقة من الرغبة في الاستئثار السياسي و إسقاط الخصم بمختلف السبل و أشدها قذارة...حتى استخدام السلاح و التدمير و التخريب و القتل و تمجيد مثل هذه الأفعال...التي قد يكون بعضها قد حصل تحت ضغط معين كرد فعل قاس على استفزازت البعض و محاولته فرض قناعاته السياسية و الأمنية المنحرفة على باقي الشركاء في الوطن. ولكن هذا كله ترك جرحاً عميقاً في وعي المواطن البسيط لا نتصور مدى خطورته إلا من خلال استخدام تعابير الناس البسطاء واستحضارها تدليلاً لإدانتهم ورفضهم لما حصل....

والذي حدث أمر خطير....كان ينبغيٍ توضيحه للعامة بدل الإمعان في تمجيده و احترام مشاعر الناس حتى ولو كانوا خصوماً ومخالفين ما داموا شركاء معنا في الوطن...


ثانياً : محاولات التشويه والإتهامات الظالمة لرموز الخط الوحدوي خاصة في الساحة السنية تارة بالعمالة وتارة آخرى بالارتزاق ونشر مثل هذه الافتراءات بين الناس مما أضعف دور العلماء السنة الوحدوين وحاصرهم وحال دون استفادة الكثير من الناس من علمهم ودعوتهم وفضلهم...

وحتى في الساحة الشيعية حاول البعض محاصرة إخوانهم العلماء الشيعة المؤمنين بخط الوحدة ورغم عدم حصول أضرار تذكر في هذا المجال لكن من قال بأن العلماء الشيعة المتمسكون بالخط الوحدوي لا يتهمون في ساحتهم بالضلال أو حتى بالكفر لمجرد رآي أبدوه في مسألة فقهية أو تاريخية.



وعندما يغيب العلماء والدعاة والمصلحون عن قيادة الساحة وتترك للسياسيين يمكنكم أن تروا ولا حاجة للتصور... كل ما عاناه اللبنانيون عامة والمسلمون خصوصاً منذ أكثر من أربع سنوات ونيف... هو نتاج لمحاصرة الكلمة الواعية, والافتراء على أصحاب العمائم الناصعة والأيدي الكريمة البيضاء...

وبالتالي لا بد من حملة ضخمة لإستعادة الثقة .. كيف؟ بالطبع ليس من مجال للتوسع في هذه العجالة بل لا بد من القيام بخطوات مدروسة على هذا الصعيد وبشكل مشترك وفي كل من الساحتين.

ثالثاً: الأداء السياسي المذهبي المقزز في كلا الساحتين ساهم بشكل مؤذٍ بل بالغ الإيذاء في تأجيج الصراعات المذهبية ومحاضرة الحالة الواعية الوحدوية ... حتى على يد بعض النواب الطليعيين الذين يمكنهم في الأصل تفهم ومراعاة الحساسيات كان بعضهم يتكلم بلهجة إستعلائية مقززة... ويلقى بتهديداته بنبرة تفوق نبرة الخطاب السياسي المعتاد في لبنان..
أنا لا أعتب على السياسيين الذين لم يتخرجوا من المدرسة "الإسلامية" ربما هم اأبناء بيئتهم لكن ما بال إخواننا الإسلاميين سنة وشيعة.

تشنج هنا يقابله إتهامات هناك وهجر نعم هل تعلمون أن الهجر السياسي مصطلح جديد دخل ساحتنا الإسلامية في لبنان ... فماذا يعني أن تتعطل لغة الكلام بين "الحرب" و"الجماعة" بما تمثيلان من ثقل ديني وسياسي في لبنان في أصعب الأوقات ولفترة طويلة...

وهذا كل مما أدى إلى مواقف سيظهر في المستقبل خطأ من اتخذها في هذه الساحة أو تلك وبشكل لا يختلف عليه إثنان ... فأنا لا يمكنني أن أفهم هذا التدابر والتقاطع والمواقف المائلة أو المتشنجة في ساحة تنظيمات طليعية إسلامية تلتزم الإسلام و تحمل المشروع المقاوم على تفاوت بينها في الأداء.

رابعاً: التخلف السياسي عند بعض مكونات الساحة الإسلامية والذي أوقع أصحابه في فتح وسياسات الإستقطاب والتوظيف السياسي من قبل جهات علمانية وغير إسلامية بل تتبنى رؤى معادية داخلية معادية للمشروع الإسلامي المقاوم في لبنان.
فماذا يعني إتخاذ خيارات مذهبية تحت ضغط سياسي معين, والتذرع بأننا لا يمكن أن نقف ضد الطائفة؟! خاصة عندما ينطلق هذا الكلام من رموز تيار تربى على فكر الوحدة الإسلامية مع حفظ وإحترام الخصوصيات...
الأصل أن نستقطب الآخرين لمشروعنا الإسلامي المشترك وليس أن نتشظى مذهبياً لصالح مناكفات سياسية ومصالح خارجية ضيقة !!

خامساً: صعوبة المرحلة إقليمياً ودولياً ... والطبع محلياً ... تهديدات إسرائيلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية, ومحاولة تحيد لسوريا وفك لإرتباطها بالحركات المقاومة في لبنان وفلسطين, وضغوط محلية لعزل حزب الله ومحاصرة مشروعة البمقاوم وتقييد بالسلاسل المذهبية ... ورغم توقعات البعض بإقتراب العدوان الإسرائيلي الجديد على لبنان من ساعة الصفر و مراهنة بعض مراهقي أودهاقنة السياسية المحلية عليه... فإنني أرى أن الإنتباه لهذا الخطر من الضروري جداً.

لأن النوم على حرير وجعل كل شي ماشي يجعل البلد أيضاً ماشي إلى المجهول والخراب.
وهذا الوضع المحلي و الإقليمي الصعب يمكن ان يشكل حافزاً للإجتماع والوحدة المواجهة الخطر والإستعداد من قبل وقوعه.

فالمعركة التي يمكن لحزب الله والمقاومة الإسلامية خوضها يجب أن بكون معركة كل الوحدويين الصادقين إسلاميين وعروبيين وأحرار وشرفاء داخل لبنان وخارجه...

وحذار من لعبة الحصار والعزل والإستفراد التي تشكل خاصرة رخوة يمكن للعدو أن ينفذ من خلالها لضرب مشروع الوحدة ورأس حربته في الساحتين السنية والشيعية...

المخاطر والفرص المتاحة
بإزاء كل ما تقدم يمكننا القول:

إن ساحتنا الوحدوية في لبنان، اما خطر كبير يتهدد وجودها وفاعليتها لذلك يجب التنبه لكل ما من شأنه .... أن يفت في عضد وتماسك هذه الساحة.
ومشروعنا الإسلامي الوحودي في لبنان تهدده أخطار شتى:

أولها: إنتشار موجة مذهبية مقرفة في كلا الساحتين والتي يجب أن يخرج الجميع من بوتقتها ويعود إلى إستخدام المفردات المدروسة الجامعة التابعة من رغبة صادقة في نبذ كل خلاق مفرّق، والتمسك بكل وفاق جامع، على أسس شرعية ووطنية وسياسة موافقة لرؤى أهل العلم والدين والعقل والتوجه نحو محاصرة التمدد المذهبي والسير بعيداً وتوسيع آفاق الوعي فكراً وقولاً وسلوكاً في كلا الساحتين.

ثانياً: إستغلال حاجات الناس لإستخدامهم في تأجيج الفتن المذهبية وتسعير نارها. وبالتالي مراعاة حاجات المجتمع وتأمين الوظيفة ولقمة العيش للعاطل عن العمل والدواء للفقير , و التعليم الجيد في كافة مراحله عبر مؤسساتنا الإجتماعية والصحية والتعليمية الوحدوية . إن دعم مثل هذه التوجهات وبناء المؤسسات لإحتضان شعب المقاومة في كلا الساحتين وخصوصاً في الساحة السُّنية. كل هذا من شأنه أن يقلل من تأثير الخط المعادي ويحصر تحركه وتأثيره اللهم الا بين ضعاف النفوس والمشوشين فكرياً ودينياً والذين هم أيضاً بحاجة لنشر الوعي وتاطيرهم في العمل الوحدوي خدمة للمشروع الاسلامي الوحدوي الجامع.

ثالثاً: غياب التخطيط الإستراتيجي لمسار خط الوحدة الإسلامية الذي تتضمن توضيحاً للأهداف المتوخاء والأساليب المتبعة لتحقيقها, والجدول الزمني. للتنفيذ والقائم على دراسة والإمكانيات المتوفرة والمطلوبة.

هذا الغياب يهدد الكثير من الطاقات ويترك الجميع في ساحة الضياع والقصور عن بلوغ الأماني. ويجعل من هذا الخط مجرد نكهة مطلوبة لتلطيف الواقع المتأزم أكثر مما هو خاصة إنسانية وفريضة شرعية يجب أن تشكل إطاراً ناظماً للعمل الإسلامي بكافة أطيافة في لبنان.

يجب أن تكون هناك خطط, أهداف, ووسائل وإمكانات بشرية ومادية مدروسة يجري إستخدامها بشكل جيد وجدول زمني للتنفيذ وتقييم ومتابعة لتقويم المسار من أجل البلوغ لتحقيق لما تتوخاه من نجاح للمشروع الوحدوي في لبنان.

رابعاً: التقاطع السياسي الداخلي المغلف بالمذهبية من شأنه إذا ترك لحريته أن يجلب للساحة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب من الإنفجارات الفكرية الأمنية لذا يجب التنبه إلى ضرورة , حصر النزاعات في الإطار السياسي وبذل كل ما أمكن من جهد يوقف الضخ المذهبي ومحاصرته والحؤول دون تحقيقه لأهدافه المدمرة لمجتمعنا.

وحتى لا أطيل اكتفي بهذا القدر الذي أسأل الله تعالى أن يشكل كلامنا ورقة عمل ناجحة تكون حافزاًً لدراسة أعمق وأشمل لساحتنا الوحدوية وبما يضع القوة الاسلامية الصادقة يخدم قوتها وصلابتها في مواجهة مشاريع التمذهب والتفيت الحاضرة في كلا الساحتين في مواقعها التنفيذية المناسيية وفقاً لخارطة طريق متفق عليها تؤسس لجمع الشمل الإسلامي ومواجهة المخاطر ليس في لبنان فقط بل على إمتداد ساحة العالم العربي الإسلامي والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الأحد، 26 يوليو 2009

أعظم الكرامة .. لزوم الإستقامة


سئل صديق الأمة وأعظمها استقامة - أبو بكر رضي الله عنه - عن الاستقامة؟ فقال: (أن لا تشرك بالله شيئا) يريد الاستقامة على محض التوحيد..فإن من استقام على محض التوحيد الصادق بأسماء الله وصفاته وآثارها في الأنفس والآفاق..استقام في كل شأنه على الصراط المستقيم ..فاستقام له كل عمل وكل حال " أي استقام على التوحيد في حركاته وسكناته..
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي,ولا تروغ روغان الثعالب(.
وقريب من ذلك ما قاله ابن تيميه رحمه الله حيث قال: أي " أخلصوا في عبودية الله ومحبته فلم يلتفتوا يمنة ولا يسرة".
إن الاستقامة تعني الاعتدال والتوازن.. إنها في الحكمة والإصابة والسداد..لذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يسأل ربه السداد.. بل وجه أمته إلى ذلك فقال:" يا علي اسأل ربك الهداية والسداد وتذكر بالهداية، هدايتك للطريق وبالسداد تسديدك للرمي".
كل ذلك تأكيدا لأهمية الاستقامة .. وذلك كأن يقول المسلم: "اللهم أهدني وسددني" أو أن يقول: "اللهم أسألك الهدى والسداد".. فإن الاستقامة لها ثمرات كثيرة عظيمة.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت : 30].
فلهم البشرى بعدم الخوف على ما خلفوا وتركوا من أهل وأولاد أو أموال وضيعات فالله يتولاهم بحفظه {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف : 196] وألا يحزنوا على المصير المنتظر فهو إلى جنات ونهر..
ومن تلك الثمرات المباركة أيضا.. ما ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله: {وأن لو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن : 16] أي ماءاً كثيراً مباركاً نافعاً.. والماء يدل على الروح والحياة..
إن الاستقامة مطلب نفيس وعظيم ..يقول شيخ الإسلام ابن تيمية "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".
فهي تحتاج إلى جهد وصبر ومجاهدة..وذلك بعد عون الله وفضله وتوفيقه .. فهو سبحانه وتعالى الموفق لسلوك طريق الاستقامة.. بل أمر عباده أن يسألوها ويطلبوها منه عز وجل في كل وقت ومع كل صلاة ..بأن يقول العبد في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة : 6].. ولو قال (اهدني ) لما صحت الفاتحة ولبطلت صلاته.. بل لابد وأن يقول ( اهدنا ).. بأن يدعوا كل مسلم ومسلمة لكل مسلم ولكل مسلمة..
"اهدنا الصراط المستقيم" أي يا ربنا دلنا وأرشدنا على سلوك الطريق المستقيم الموصل إليك وإلى رضوانك وجناتك.. وثبتنا على ذلك.. بل وزدنا هدى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد : 17] "..وهو الطريق الوحيد إلى الله الواحد الأحد .. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام : 153].
إن طريق الحق واحد أبلج.. ليس وراءه إلا الباطل..{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء : 81]..وكل الذي يخالف الحق فهو الضلال والظلمة..{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس : 32].. وهو النور والهدى والضياء ..{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة : 16]".
جاء من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله.. قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك.. فقال صلى الله عيه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم" فقال يا رسول الله وما أخوف ما تخاف علي فأشار أو أومأ إلى لسان نفسه "وذلك لأن الاستقامة تكون في القلب والأعمال والجوارح.. وحتى اللسان..
وجاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لن يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولن يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه "..فإن استقامة اللسان تؤثر وتدل على استقامة القلب..
الإستقامة منهج حياة
فالقلب هو محل ووعاء للإيمان قال تعالى {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} فإذا استقام القلب انكست الآثار الطيبة الآثار المباركة على بقية الجوارح.. يقول تبارك وتعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج : 32] بلا شك إنه التعظيم الجميل للشعائر من أوامر الله ونواهيه..لأن ما يحدث من المرء من حركات أو سكنات في أقواله وأفعاله .. وفي ذهابه وإيابه.إذن فالإستقامة منهج شامل للحياة.
.. والمؤمن في عباداته مع الله وتعاملاته مع الناس ينطلق من استقامة قلبه مع الله وعلى صراطه المستقيم القلب.. ثم تستقيم الجوارح ..ومهما استقام العبد فلابد من الخطأ والتقصير..وجبر ذلك يكون بالعودة إلى الله والتوبة والاستغفار.. والإكثار من الأعمال الصالحة من الفرائض والنوافل .. قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت : 6].
والطلوب من العبد الاستقامة وهى الإصابة والسّدَاد.. فإن نزل عنها فالتفريط والإضاعة.. جاء في الحديث عن ثوبان، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) .
وقوله: (( استقيموا ولن تحصوا ))
أي: لن تطيقوا ولن تبلغوا كل الاستقامة .. لكن على الإنسان المسلم أن يحاول.. فإِن لم يقدر على السداد فالمقاربة ..كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر بقوله: "سَدِّدُوا وقاربوا، واعلموا أَنه لن ينجو أَحد منكم بعمله. قالوا: ولا أَنت يا رسول الله؟ قال: ولا أَنا إِلا أَن يتغمَّدنى الله برحمة منه وفضل".
فجمع فى هذا الحديث مقامات الدّين كلها. فأَمر بالاستقامة وهى السّداد، والإِصابة فى النيّات والأَقوال. وأَخبر فى حديث ثوبان أَنهم لا يطيقونها فنقلهم إِلى المقاربة، وهى أَن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم، كالَّذى يرمى إِلى الغرض وإِن لم يُصبه يقاربه. ومع هذا فأَخبرهم أَن الاستقامة والمقاربة لا تنجى يوم القيامة، فلا يركن أَحد إِلى عمله، ولا يرى أَن نجاته به، بل إِنَّما نجاته برحمة الله وغفرانه وفضله،
الإستقامة نوعان
وكل ذلك يدل على أن الاستقامة نوعان:
الأول: استقامة الأكابر وهذه لا يستطيعها إلا أهل العلم والإيمان والعبادة، ولذلك خوطب بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال جل وعلا: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [هود : 112].
الثاني: استقامة العامة وهي السير المعتدل والتي هي فعل الأوامر واجتناب النواهي، فهذه أمر الله بها بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف : 13].
إن الطريق واحد، والرب واحد، فلنوحد قلوبنا إلى الله، فإن وراء الاستقامة فتور وضعف، قال عليه الصلاة والسلام:"يا عبد الله بن عمرو بن العاص " إن لكل عامل شره ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنه فقد أفلح "
أي: أن لكل عامل نشاط وهمة،وأن كل نشاط وعمل لابد وأن يعقبه فتور وكسل.
فالمسلم اللبيب يتقلب بين الطاعات، من تلاوة للقرآن وتدارس للسنة، وحرص على بر الوالدين وصلة الأرحام، فذكر لله ودعوة إلى الله، وصدقة وإحسان، ونصح وعلم وتعليم ، كالنحلة ينتقل من بستان إلى آخر، وهو يعيش أجواء الاستقامة بأنواعها، ودوماً يسأل ربه "اهدنا الصراط المستقيم".
والاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، وهو القيام بين يَدى الله تعالى على حقيقة الصّدق، والوفاءِ بالعهد..
وبقدر ما يسير العبد مستقيما على الصراط المستقيم في الحياة الدنيا بقدر ما يسير على الصراط المضروب على متن جهنم والموصل إلى الجنة ..والذي هو أدق من الشعر وأحد من السيف.. فالناس على حسب استقامتهم في هذه الدنيا..
فمن استقام في هذه الدنيا على الطريق المستقيم سوف بمشيئة الله يستقيم ويسير السير المعتدل نحو جنة رب العالمين والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السبت، 18 يوليو 2009

في ذكرى الإسراء والمعراج : انتهى زمن المعجزات .. فهل نحن أهل للكرامات ؟

تطل علينا ذكرى الإسراء والمعراج ، تلك الذكرى المجيدة العطرة ، التي تذكرنا بمقام سيدنا محمد e وتكريم ربه له في رحلة الإسراء المباركة ليلة السابع والعشرين من شهر رجب الخير من البلد الحرام في مكة المكرمة الى بيت المقدس في فلسطين بلد أبي الأنبياء إبراهيم ثم عروجه e من المسجد الأقصى الى السماوات العلى..
وقد جرت عادة المسلمين اذا احتفلوا بالإسراء والمعراج أن يقتصروا على ترديد القصة وتبيان متى وكيف وقعت والتأكيد على أنها كانت بالروح والجسد معجزة لنبينا محمد عليه الفضل والصلاة وأزكى السلام.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى (بيت المقدس) واسطة العقد في الرحلة المباركة ففي بيت المقدس انتهت رحلة النبي e الارضية لتبدأ رحلته الأرضية – السماوية.
..ونحن نحتفل في ذكرى الاسراء والمعراج أرجو أن لا ننسى فلسطين وهي الحيّة دائماً في ضمير الشعوب..الميتة غالباً في ضمير أولي الامر إلا من رحم ربي.
وفلسطين الأرض المباركة والقدس على وجه الخصوص تتعرض اليوم لأخطر مشروع تهويدي لتغيير معالمها العربية الاسلامية وتزوير حاضرها وماضيها على السواء.
ولعلّ القرار "الإسرائيلي" الأخير بإزالة اللافتات التي تحمل الأسماء العربية للقرى والبلدات الفلسطينية يمثل أشنع حلقة من مسلسل التهويد المستمر منذ اكثر من 60 عاماً.
القائد المسلم صلاح الدين لم يُرَ يوماً ضاحكاً..فلما سئل عن سبب تجهمه وعبوسه الدائم قال: كيف أضحك والقدس مازالت في أيدي الصليبيّن..
وبينما تستعد أمتنا اليوم من أدنى المشرق الى أقصى الغرب للاحتفال بالذكرى المجيدة..تستعد في نفس الوقت منظومة الحاكمين "بالجملة" لإعطاء صك البراءة والمباركة للدولة اليهودية الغاصبة المزعومة ..
بل يترامون عند الأعتاب يقبلونها علّ هذا الكيان الغاصب يقبل بما يسمونه مبادرة "السلام" العربية. يحتلون ديارنا ويشردون ويقتلون أطفالنا وينتهكون حرماتنا ثم نعرض عليهم السلام مقابل فتات من الأرض المحتلة التي هي لنا من الاصل.
هل حقاً نحن نحتفل بالإسراء والمعراج وغزة الجريحة ما تزال تحت الحصار العربي قبل الاسرائيلي..
البعض يسمح للغواصات الصهيونية بتبديل جنود الأعداء ما بين (أشدود) و(إيلات)- وعذراً لاستخدام الاسماء - عبر قناة السويس.. متذرعاً بالمعاهدة .. بينما يتناسى عهده مع الله في عالم الذر..ويقفل بواباته الحدودية مع القطاع المحتل ويمنع مرضى غزة ومستضغفيها من تلقي العلاج في أرض الكنانة.
ثم يقف مع ثلّة من رجال الدين والدنيا ليحتفل بذكرى الاسراء والمعراج "عجيب اللي استحوا ماتوا"..
ما أود ان اقوله إن ليلة الاسراء والمعراج هي ليلة فلسطين بامتياز والله سبحانه وتعالى هو المبدئ والمعيد.. وكما أُخرج أهلنا من فلسطين لعشرات السنين، هو القادر على إعادتهم..
المهم أن نستفيد من الدرس ونتأدب مع الله ونسلك سبيل الإسلام المجاهد ونتابع طريق المقاومة والممانعة لنصبح مؤهلين للعودة المباركة إلى فلسطين..لليحقق الله على أيدينا وعده وندخل المسجد كما دخله eأول مرة مرفوعي الرأس قادة وسادة طاهرين ومطهرين.
عندما أُخرج النبي e من مكة بفعل الاجرام والإرهاب "القرشي" وسار في طريق هجرته بظاهر مكة..التفت إلى البلد الحرام يخاطبها: " والله إني لأعلم انك خير أرض الله، وأحب ارض الله إليّ . ولولا اني أُخرجت منك ما خرجت".
يذكر أهل السير ان النبي e لما بلغ الجُحْفة - آبار علي- في طريقه الى مكة ..أنزل الله تعالى عليه قوله: " إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد" (القصص 85) أي لرادُك الى مكة التي أخرجوك منها..
ويمكث النبي e مجاهداً مكابدأ في دار هجرته ..وتمر السنون فتنتصر القلة المؤمنة على الكثرة الطاغية فيعود e إلى مكة بعد بضع سنوات فاتحاً منتصراً وهذا ما كان ليخطر على بال أحد..
كانت عودته شاهداً على نصرة الله الدائمة وتأييده لعباده المستضعفين "ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (القصص:5-6). وهذا انما يتحقق عندما يوجد الصبر واليقين بالله..
كلمة أخيرة أحب أن أوجهها إلى الإخوة الفلسطينيين في الداخل والخارج الى أهل الرباط والمقاومة والى أهل الموادعة والمسالمة..
فلسطين اليوم في خطر والقدس في خطر والاقصى في خطر ومتى لم تكن كذلك منذ عقود؟ والخطر الاكبر في أن تستمروا على اختلافكم وتفرقكم عن حقكم مع تمسك أعدائكم بباطلهم وبذلهم الأرواح والمهج لتكريس كيانهم الاحتلاليّ وانتزاع "الإعتراف والتسليم" العربي والاسلامي والاقرار له بديمومة الحياة وهنا الخطر الأكبر.
لا ترضوا بعودة ذرة من التراب الفلسطيني مساومة ً على حساب باقي الارض والشعب وهما أمانة في أعناقكم لا تقولوا نأخذ اليوم بالسلام المزعوم ما استطعنا ونترك الباقي للايّام..فهذه طريق العاجزين...ومن لا يملك كيف ننتظر منه أن يعطي..
عودوا إلى وحدتكم ومشروعكم الأساس لا تقابلوا العجرفة الصهيونية بالميوعة والتخاذل.. احضنوا المقاومة واحملوا مشروعها وكونوا على يقين بأن الله القدير الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى قادر على ان يسري بأمتكم في ليلها البهيم ما كانت الرحلة الشاقة المعجزة من المسجد الى المسجد...افقهوا الرسالة..
المهم أن تعينوا أنفسكم بكثرة السجود والتذلل بين يدي الله إذا أردتم أن تكون فلسطين مسجداً لله وانطلقتم من مسجدكم ومحرابكم الى ساحة حربكم لتحرير فلسطين فما أقصر الطريق وأسهلها.
أما إذا أردتم الانطلاق من "الرباعية" عبر خارطة الطريق الاميركية فمبادرة " السلام العربية".بالتأكيد لن تصلوا إلى المسجد الاقصى بل ربما تصلون بجدارة إلى "الكنيست" رمز تشريع الإحتلال وقوننته..!
في ذكرى الإسراء والمعراج..ظلام دامس كثيف يلف العالم الاسلامي من أفغانستان الى الصين..
ودماء طاهرة لشهيدة الحجاب في المانيا تقدم طاهرة على مذبح الإلتزام الاسلامي..
فنحن في زمن تقتل فيه المرأة لحجابها وتمنع فيه عن الجريح قطرة الماء وحبة الدواء...ونسأل الله بعد ذلك الرحمة... ؟!!
والله يقول: ( إن رحمة الله قريب من المحسنين) (الأعراف:56) فلنحسن التصرف لتدركنا رحمة الله..
ولندع اليأس والقنوط جانباً...( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) (الحجر:56)
وكونوا على يقين بأن الله وحده القادر على إنارة ظلام أمتكم بالمعجزات..والإسراء بأمة الحبيب المصطفى لأقصى المساجد والمقامات العلى.. لكن مع تسليمنا بأن زمن المعجزات قد انتهى بانقطاع النبوة.. فأرجو أن يوجد الله في أمتنا من هم أهل للكرامات بعد ولى زمن المعجزات؟!


الاثنين، 22 يونيو 2009

إيران .. فوق صفيح ساخن


ما يجري اليوم في إيران هو تحرك أوسع وأشمل من الاحتجاجات التي شهدتها في عامي 1999 و2003 والتي اقتصرت على أحداث صنعها أفراد من عامة الشعب أخفقوا بالتواصل مع الطبقة السياسية في البلاد أوالنفاذ عبرها.
صحيح أن شرارة المظاهرات انطلقت من خلال جامعة طهران، لتتطور بعدها وتمتد وتستحيل أعمال عنف في شوارع المدينة تثير ذكريات المد الثوري الذي يريد القليل من الإيرانيين رؤيته يتكرر أمامهم من جديد.
لكن الاحتجاجات اليوم لم تنطق من القاعدة الى القمة بل من القمة نفسها مروراً بالقاعدة الشعبية . عندما يحاول البعض أن يرى في فوز الرئيس أحمدي نجاد محاولة لاستبعاد قادة اصلاحيين أساسيين من ميدان صنع السياسة الإيرانية.
موسوي رجل العلاقات
الرجل الذي يقود الاحتجاجات اليوم هو المرشح الرئاسي الذي نافس الرئيس محمود أحمدي نجاد وحلَّ في المرتبة الثانية بنتيجة الانتخابات، ليس بذلك الرجل الدخيل ذي الوزن الخفيف أو الضئيل الأهمية.
فقد تقلَّد الرجل منصب رئيس وزراء البلاد منذ عام 1981 حتى سنة 1989، وقد حظي بشكل عام بتقدير عالٍ لإدارته شؤون البلاد اليومية والعبور بها إلى بر الأمان خلال الأعوام الثمانية تقريبا التي دامتها الحرب الضروس بين إيران وجارتها العراق.
وموسوي هذا من أشدِّ المقرَّبين والمناصرين لعلي-أكبر هاشمي رفسنجاني الذي يتمتع بدوره بوزن أكبر في اللعبة السياسية في البلاد، وكان دوما أحد الأركان الأساسية للجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها.
ورفسنجاني، الذي تولى رئاسة الجمهورية الإسلامية مرتين متتاليتين بين عامي 1989 و1997، هو سياسي محافظ براجماتي (واقعي) يدعم موسوي بقوة.
ويترأس رفسنجاني الآن اثنتين من أقوى هيئات النظام: أي مجلس تشخيص مصلحة النظام (والذي يبتُّ بالنزاعات والخلافات المتعلقة بالتشريعات وتلك التي تنشأ بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور ويمكنه الاعتراض على أي تشريع يقره مجلس الشورى) ومجلس الخبراء (الذي يعيِّن، ويستطيع نظريا، استبدال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية).
كما أن موسوي يحظى أيضا بالدعم والمساندة من قبل رئيس سابق آخر حكم البلاد لفترتين رئاسيتين متتاليتين، ألا وهو الشخصية الإصلاحية محمد خاتمي، والذي سحب ترشيحه للانتخابات هذا العام لصالح موسوي، وهو يدعو الآن لإلغاء الانتخابات وإعادة عملية الاقتراع من جديد.
وقد عبَّر عن هذا المطلب أيضا أحد المرشحين الثلاثة الذين خسروا الانتخابات، وهو محسن رضائي، الذي كان قائدا للحرس الثوري لمدة 16 عاما، ويُعدُّ أحد أركان النظام الأساسيين.
نجاد رجل الشعب
ولكن على الرغم من ذلك فلا يمكن اعتبار أحمدي نجاد (وهو أول رئيس إيراني لا ينتمي إلى سلك رجال الدين) لا يحظى بالتأييد والدعم من الشعب أو القوى المسلحة أو حتى المؤسسة الدينية في مدينة قُمّ.
حيث يُعتقد أنه يتمتع بدعم كبير في أوساط قوات وقادة الحرس الجمهوري وقوات الباسيج (المتطوعين) التابعة لها.
كما أن أحمدي نجاد قد حقق نصراً مثيراً أيضا بحصوله على التأييد والدعم في أوساط الفقراء والمستضعفين، وذلك من خلال انتهاجه استراتيجية شعبوية وسياسية واقتصادية تميل لصالحهم. حيث قام بتوزيع الأموال في المناطق الريفية بطريقة يقول عنها منتقدوه إنها أضافت إلى المآسي والمحن التي تتعرض لها إيران، الأمر الذي ولَّد وفاقم التضخم العالي الذي تعيش البلاد تحت وطأته الآن.
ويبدو الآن أن الشرخ الذي نشأ قد تخطَّى الانقسام القديم الذي كان قائما بين المحافظين والإصلاحيين ضمن النظام الإيراني.فقد وحَّد الشقاق هذه المرة بعض العناصر المتواجدة على الجانبين.وذلك في مواجهة خط نجاد الشعبي العسكري الميَّال إلى المجابهة والصراع مع الغرب.
اثنين إلى واحد
وعلى الرغم من أن النتيجة لم تكن مفاجئة للمراقبين . فقد توصل استطلاع للرأي في الولايات المتحدة ونُشرت نتائجه في صحيفة الواشنطن بوست إلى نتيجة مفادها أن الهامش الكبير والمفاجئ من النصر الذي حققه نجاد على خصومه في الاستطلاعات إنما قد يعكس في الواقع إرادة حقيقية أصيلة للشعب الإيراني.
فقد أشار الاستطلاع، الذي أُجري قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات إلى أن نجاد كان سيفوز بنسبة اثنين إلى واحد، أي بنسبة أعلى من تلك النتيجة الحقيقية التي أُعلنت بعد الانتخابات.
ولكن الاحتجاجات الجماهيرية واعمال العنف المتصاعدة كانت سيف موسوي في مواجهة إرادة الناخبين التي أذاقته مرارة الهزيمة بـ 11 مليون صوت تشكل الفارق في الأصوات بينه وبين الرئيس أحمدي نجاد.
لكن تتابع الأحداث وتفجرها دفع قائد الثورة الاسلامية في ايران اية الله السيد علي خامنــئي لإصدار أوامره لمجلس صيانة الدستور، وهو المثيل الايراني للمــحكمة العليا الاميركية، باجراء اعادة فرز محدودة للاصوات، لتحديد ما اذا كانت هناك من ‎مخالفات.إضافة الى أصدار أوامره بمنع التظاهرات غير المرخصة والتي يسعى الغرب لاستخدامها في تشويه أو تقويض النظام إن استطاع..
الإرهاب الالكتروني... مؤامرة الغرب ضد إيران
وفي المحصلة، في حال لم يُنزع فتيل أزمة الانتخابات الإيرانية وتُحلحل عقدتها إلى حد ما، فمن الواضح أن استمرار وتصاعد وتيرة الاحتجاجات سيمكن الحلف الغربي الخاسر في مواجهة ايران من استغلال الاجواء الملبدة في طهران، لاستعادة بعض ما فقده عبر المواجهة المباشرة.
ولكن على الرغم من سقوط ضحايا بريئة وجرحى وتخريب في الممتلكات الخاصة والعامة مما لا تخلو منه احتجاجات أقل خطورة بكثير مما يجري في إيران.. لكن هذا الدم النازف الذي يحاول وضع << ولاية الفقيه>> أمام أول اختبار قاسٍ .. يستدعي من كافة القوى الإيرانية المتنازعة والمراقبة اجراء دراسة تقويمية جدية للأخطار وعدم الانشغال بالازمات المفتعلة والعمل والتعاون لتجاوزها بسلام . وبالتالي إفشال مخططات الغرب المتربص، والتي باتت أكثر وضوحاً.
ولاسيما بعد الحشد الاعلامي والسياسي الغربي غير المسبوق واستغلاله لأحداث ايران بما يؤكد سعيه لفرض انقلاب مخملي مستفيداً من اندفاع ودماء الشباب المحتج .. ولكن لتحقيق مصالح الغرب وعلى رأسه اشنطن وربيبتها اسرائيل لا مصالح الشعب الايراني. وهذا مما يهدد مصالح اقليمية ودولية معادية للتوجهات والسيسات الغربية الاستعمارية التي تمثلها ايران وروسيا والصين وقوى الممانعة في المنطقة توصلاً لفرض مشروع الشرق الاوسط الكبير (اسرائيل الكبرى) بطرق مختلفة هذه المرة.
هذا ما يؤكده ما كشفه مفتش الاسلحة السابق للامم المتحدة سكوت ريتر، في حديثه عن الدور الحاسم الذي لعبته شبكة الانترنت في تغذية الاحتجاجات والتظاهرات المعارضة.
‎فقد كشف موقع (انترناشيونال اويل دايلي) بأن جارد كوهين،وهو مهندس "الديموقراطية الرقمية" ، كان يعمل في فريق التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الاميركية منذ ايلول 2006 وادار في عام 2008 حركة تحالف الحركات الشبابية التي تركز على كيفية استخدام المواقع الالكترونية كاداة لتعزيز التنظيمات والنشاطات الشبابية لقلب أنظمة الحكم المعادية ، والذي تزامن تنصيبه، مع تلقي وزارة الخارجية الاميركية مبلغا قدره 75 مليون دولار مخصص لحملات اعلامية مناهضة لايران.
وحسب المصدر نفسه فان دور كوهين تضمن ايضا ابتكار اساليب جديدة في استخدام شبكة الانترنت لاهداف مرتبطة بزعزعة الحكومات خاصة وان مجموعته التي يطلق عليها اسم ( بايسوغ) اي ملخص اسم ايران وسوريا، تشمل اضافة الى هذا التخطيط دراسة كيفية تنفيذ عمليات سرية تعتمد سياسة التغيير الناعم للنظام.
و‎لا يمكن التقليل من اهمية شبكة الانترنت في نقل وصياغة الاخبار الواردة من ايران.
‎ما زال الالتزام الاميركي بتسهيل "ثورة مخملية" في ايران قائما منذ عام 2006. وقد ورثت ادارة اوباما سياسة "التغيير الناعم للنظام" هذه عن ادارة بوش، الى جانب نشاطات سرية اخرى اكثر صلابة.
وتهدف هذه السياسة الى تعبئة معارضة كافية داخل ايران لانجاز تغيير بحكم الواقع للنظام عبر اخراج الرئيس احمدي نجاد من المنصب الرئاسي،من خلال اصوات المقترعين في انتخابات حزيران 2009.
‎ولا ننسى دور السفير دينيس روس أحد أهم الاعضاء المؤسسين لـ "معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى" (وينيب)، والذي عمل مستشارا لدى هذه المنظمة منذ تركه الخدمة الحكومية العام 2000. وهو الذي ساعد في التحضير والتسهيل لمحاضرة القاها جارد كوهين في شهر تشرين الاول 2007 امام الـ "وينيب" تحت عنوان : "النساء والشباب والتغيير في الشرق الاوسط".
وكان موضوع كوهين المحوري هو ما اسماه "الديموقراطية الرقمية"، وهو مفهوم يقوم على ان الشباب في الشرق الاوسط "جاهزون بشكل خاص للتاثير الخارجي" عبر"ممرات التكنولوجيا" كالفضائيات التلفزيونية والهواتف المحمولة وشبكة الانترنت.
ودافع روس الذي يعرض اراءه الداعمة لتغيير النظام في ايران في كتاب نشر مؤخرا تحت عنوان "اساطير، اوهام، وسلام: نحو اتجاه جديد من اجل السلام في الشرق الاوسط"، والذي شارك في كتابته زميله في الـ "وينيب" المحلل دافيد ماكوفسكي، عن ابقاء كوهين في وزارة الخارجية وعن المضي قدما في عملية "ايسوغ" الهادفة الى تحريك الشباب داخل ايران في انتخابات حزيران 2009 الرئاسية، طالما لا يمكن ايجاد اي دلائل تربطها بالولايات المتحدة.
وسائل الإعلام الأميركية والغربية تروج اليوم لحملة منظمة بعناية، لتسويق مير حسين موسوي كبطل محتمل لإحداث التغيير المرتقب في إيران .خاصة عندما تطلق عليه تسمية "البطل المفاجئ لحركة قوية يحركها الشباب" في ايران. ‎
السلطات الإيرانية: استيعاب الأحداث
‎ لكن ذلك كله لا يخفى عن قادة طهران، فمنذ اعلان وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندليسا رايس، عن نيتها تمويل نشاطات خفية هدفها تغيير النظام الايراني في العام 2006، والحكومة الايرانية على أهبة الاستعداد أمام اي اشارات بالتحضير لـ"ثورة ناعمة" تتبع النموذج الغربي.
حيث تبقي الحكومة الايرانية، فوق الجبال المشرفة على شمال طهران، على مركز ضخم للتنصت الالكتروني، حيث تراقب تلك الاتصالات الخلوية، والقنوات الفضائية، والتفاعلات على شبكة الانترنت التي يعتبرها جاريد كوهن مسهلة لانجاز"الديموقراطية الرقمية".
و يبدو ان المحرك للجهود الواسعة التي قامت بها الحكومة الايرانية من اجل ايقاف الاتصالات بين ايران والغرب، هو اطلاعها على حيثيات التنسيق بين بعض الطلاب الايرانيين والاطراف الخارجية، التي كشفتها الاجهزة الامنية.
‎وبينما يبدو الاضطراب الناتج عن الجدل المحيط بالانتخابات الرئاسية مستمرا، يتم تدريجيا اعتقال القادة الاساسيين لـ "الديموقراطية الرقمية" في ايران، من قبل السلطات الحكومية، وذلك عبر التكنولوجيا ذاتها التي استعملها هؤلاء لبناء حركتهم.
‎ويبقى المدى الزمني الذي ستتمكن الحركة الداعمة لموسوي من خلاله من المحافظة على زخمها رهنا بالتكهنات.
كما انه من شبه المؤكد انهم لن ينتصروا، وان الحكومة التي ستحكم ايران بعد هذه الدوامة من الاضطرابات ستكون اكثر محافظة، واقل ميلا للتعامل مع الغرب، مما كانت عليه قبل الانتخابات. ‎
‎وعوضا عن كسر الحواجز بين الغرب و ايران، ستكون مناورة "الديموقراطية الرقمية" من جانب ادارة اوباما، قد نجحت في اقامة حواجز اكبر امام اي تقارب.
البرنامج النووي الإيراني : الى الحرب سر
وفي غياب اي مخرج دبلوماسي جديد له، سيبقى الجدل الذي يحيط ببرنامج ايران النووي من دون حل، مغذيا تصميم بعض العناصر، في الولايات المتحدة وخارجها (خاصة في اسرائيل) التي تدفع باتجاه تغيير النظام الايراني، حتى لوتطلب ذلك استخدام القوة وبالتالي الحرب مع ايران، خامس اكبر منتج للنفط في العالم، وهو آخر ما يحتاج اليه اقتصاد الدول الغربية المرهق، والاقتصاد النامي في الهند والصين.
ربما لن تقع هذه الحرب، في حال افترضنا وقوعها، قبل اشهر او سنوات عديدة.لكن من الافضل لاسواق الطاقة العالمية ان تعد نفسها للعمل في ظل بيئة تتسم بالعداء والتوتر بين ايران والغرب مما سيؤثر سلبا على امن الطاقة لكل المعنيين.

الاثنين، 15 يونيو 2009

فتحي يكن.. رحل ممانعاً !

رحل أبو بلال ..ألقى عصا الترحال عن كاهله المثقل بآلام الأمة وأمالها. ومضى الى ربه كما خلقه نظيفاً طاهراً من أدران السياسة، وانحراف الرؤية، واعوجاج الموقف.
ختم حياته المليئة بالمواقف الثابتة والمبادرات الشجاعة ، بأربع سنوات لخصت عملياً رؤيته الجامعة لعمل اسلامي أفنى فيه زهرة شبابه حتى غزاه الشيب والأجل.
ما يعرفه الكثيرون كونه رائداً ومؤسساً للعمل الإسلامي الحركي في لبنان ومفكراً إسلامياً من طراز نادر، قادراً على تبسيط المعضلات وإيضاح المبهمات، واختصار المطولات وتقريبها لأذهان الأجيال الشابة التي تربت على كتاباته المركزة من المحيط الى الخليج بل على امتداد العالم الإسلامي .
فلم ينحصر تأثير يكن على الساحة الإسلامية في لبنان، فالكتب التي ألّفها خلال مسيرته الطويلة كرّسته منظّراً للحركة الإسلامية، ورمزاً من رموز الإخوان المسلمين في العالم، خاصة أنّ هذه المؤلفات كانت تدرّس في حلقات وأسر الإخوان التنظيمية على رقعة انتشارهم في المعمورة.
لكن السنوات الأربع الأخيرة كانت حافلة فجماعته التي أسسها مع ثلة من إخوانه ، وأصدقاء عمره غادرته بعد خلاف مزمن.
هذا الخلاف أدّى فيما مضى إلى تخلّيه عن الأمانة العامة للجماعة عام 1970 وانتخاب الأمين العام الحالي الشيخ فيصل مولوي في هذا المنصب دون الإعلان عن ذلك. واستمر الشيخ مولوي في منصبه حتى عام 1972.
ليستعيد يكن دفة القيادة من جديد حتى عام 1993 بعد اختياره نائبا في المجلس النيابي إلى جانب نائبيْن آخريْن عن الجماعة الإسلامية أسعد هرموش وزهير العبيدي. وحينها فضّل التخلّي عن منصبه والتفرغ للعمل النيابي وإدارة كتلة الجماعة النيابية، فآلت الأمانة العامة من جديد للشيخ فيصل مولوي، وهو المنصب الذي مازال يشغله إلى اليوم.
استمر أداء يكن في الجماعة، وانتخب رئيسا لمجلس الشورى فيها أكثر من مرة، حتى عام 2005، وتحديداً بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وحينها حصل تباين في الرؤى.
فقيادة الجماعة ارتأت الانسحاب من الانتخابات النيابية ومقاطعتها انسجاماً مع التيار المتعاطف مع اغتيال الحريري. في حين اعتبر يكن أنه لا يجوز الانسحاب وترك الساحة للآخرين، وأصدر بياناً اعتبر فيه قرار الجماعة خاطئا، ليأخذ بعدها الخلاف منحى جديداً.
حيث بادر يكن بتشكيل "جبهة العمل الإسلامي" المؤلفة من مجموعات إسلامية عديدة، ليتعمق التباين في الآراء أكثر بينه وبين الجماعة الإسلامية، وتحديداً فيما يخص العلاقة مع كل من تيار المستقبل وسوريا والعلاقة مع المقاومة وحزب الله.
ففي مقابل تقارب الجماعة الإسلامية مع تيار المستقبل وقوى 14 آذار، اتجه يكن نحو التقارب مع سوريا وقوى الممانعة في لبنان وبادر الى دعم خط المقاومة الذي كان ومازال يشهد هجمة غير مسبوقة من التشويه والعزل.
كان يكن متألماً بشدة من تحالف <<الجماعة >> مع تيار المستقبل. لاعتقاده بأن تيار المستقبل يخدم بتوجهاته وممارسات حلفائه في قوى 14 آذار المصالح الغربية في لبنان. ويتحالف مع الولايات المتحدة ومحور الأنظمة العربية «المعتدلة» ضد معسكر المقاومة والممانعة المتمثل بسوريا وإيران وحماس وحزب الله والذي ارتبط يكن معه بتحالف قوي.
كان يكن متخوفاً من الدعوات التي تسعى لإبعاد السنة في لبنان عن مبادئهم وتاريخهم الجهادي،في مقاومة الهيمنة الأميركية والهجمة الاسرائيلية المستمرة ... تؤرقه كثيراً محاولات المساس بهوية لبنان العربية الممانعة ، ويخشى زجه في أتون الصراعات المذهبية التي لا تخدم إلا العدو الاسرائيلي ومخططاته للتفريق والتمزيق..
فدعا وعمل بقوة لجمع الشمل ورأب الصدع لهدف أساس لخصه في إعلان الجبهة بـ << العمل على الوحدة الوطنية والإسلامية وحماية المقاومة والوقوف في وجه أي محاولات لزرع بذور الفتنة المذهبية>>.
وكان يكن مدافعاً شرساً من أشد المنتقدين للقوى التي تسعى لتقويض دور حزب الله بوصفه حركة مقاومة ناجحة ومميزة وتستحق كل الدعم والمساندة.
.. رحل فتحي يكن رئيساً لجبهة العمل الاسلامي في لبنان التي لعبت دوراً محورياً في إسناد خط الممانعة والمقاومة ونجح وإخوانه في تجنيب الاحة السنية ويلات الفتن ونجح أيضاً في التصدي لمحاولات ارباك المقاومة وإيقاعها في مستنقع الفتن المذهبية.
في وقت غرق آخرون في المستنقع المذهبي ليس في الساحة السنية وحدها بل داخل ساحات الطوائف اللبنانية بلا استثناء.
قاد السفينة الى شاطىء الأمان .. لم تستفرد المقاومة. لم يسجل التاريخ أن سنة لبنان أجمعوا على ذبح المقاومة نصرة لخط الاعتدال العربي!
كان رجل الجماعة في حياته ومماته.. رفعه عشرات الآلاف من إخوانه في كل لبنان على أكفهم عزيزاً كريماً إلى مثواه الأخير ..عصر ذلك الأحد المبارك 21 جمادى الآخرة 1430 هـ 14/6/2009 م.
وكم سرني أن أرى في مقدمة الصفوف رفاق دربه في قيادة << الجماعة الاسلامية >> الذين اختلفوا معه بشدة دون أن يختلفوا يوماً عليه قائداً ومفكراً ومربياً فذاً من طراز عز مثيله..ولم يقصروا في حقه في ساعاته الأخيرة..
..ترى الى متى ستفرقنا الدروب وتجمعنا المصائب ..فتحي يكن يكفيك فخراً
أنك عشت مربياً ورحلت ممانعاً..!

الاثنين، 8 يونيو 2009

<< السُنيّة السياسية >> تنتصر..

لم يكن احتفاظ الأكثرية باكثريتها مفاجئاً لكثير من المراقبين والخبراء في الشأن الانتخابي اللبناني ، خاصة وأن النتيجة كانت متوقعة في استطلاعات للرأي نشرت قبيل ساعات من اجراء الانتخابات.
لكن ما كان مفاجئاً ومرعباً بدرجة كبيرة ، أن تُمنى المعارضة بهزيمة كبيرة. الأمر ليس مرتبطاً فقط بالمحصلة النهائية لعدد المقاعد، ( 71 للأكثرية ) بل في حصول فريق 14 آذار على أصوات إضافية وخصوصاً في الوسط المسيحي، الأمر الذي سيدخل البلاد في مرحلة تجاذب محلي واقليمي لن تكون في مصلحة أي من الفريقين المتنافسين .
خاصة إذا استمر مسلسل التصعيد الكلامي والشحن المذهبي والطائفي ، الذي استطاع أن يحفظ للأكثرية أكثريتها. وحال دون تمكين المعارضة من لجم تراجعها وتآكل مقاعدها.
خسرت المعارضة الانتخابات، وبقيت في المعارضة. وربح فريق 14 آذار وبقيت الاكثرية النيابية في يده. ومسلسل المفاجآت انتهى الى صدمة كبيرة في أوساط المعارضة.
قد يكون هذا الكلام قاسياً في حساب البعض. لكن الأقسى مما هو آت أعظم، إن لم تتحقق مراجعة شاملة وهادئة للحسابات والسياسات التي أدت الى إنتاج << مجلس تكريس الانقسام >> قبيل استحضار أجواء الحرب الأهلية الحاضرة دوماً في النفوس المتأججة.
قد تكون << السُنيّة السياسة >> ربحت المعركة بامتياز لأربع سنوات قادمة أو لست سنوات متوقع قدومها .. مستفيدة من الشحن المذهبي والمال السياسي وربما الغباء وسوء التقدير السياسي لدى البعض.. أما في ساحة المعارضة فلعل نشوة المنابر وكشف ظهر الحلفاء فضلاً عن إيلام ظهورهم بالأخطاء القاتلة والإمعان في فيها .. كان من الأسباب الأساسية التي أدت الى هكذا نتائج.
ولعل السنوات المقبلة ستكون سنوات عجاف على المعارضة قبل أن تستطيع تصحيح وتدارك سلسلة الأخطاء المتراكمة . أو تستمر ممعنة في الإيغال في سلوك الدرب الخاطىء..
قد تكون السنية السياسية بأكثريتها نجحت في التحضير لفرض حصار سياسي على حزب الله يواكبه حصار أمني اقليمي ودولي ضاغط وسط موجات متتابعة من التشوية والتهم غير المسبوقة والمسوقة اسرائيلياً ودولياً.. ولكن هذا لايتحمل مسؤوليته الحزب فهو أمر خارج عنه.. مايتحمل الحزب مسؤوليته ربما هو تغطيته لأخطاء الآخرين وعدم الوقوف في وجهها أو محاولة تصحيحها. بل ربما وقوهه في الفخ المذهبي من خلال الشعور بالنشوة الكاذبة لما تصوره نصراً فكان فخاً يصعب الفكاك منه لدرجة استدراجه للإمعان في تمجيده..
المزاج المذهبي والطائفي كان لعبة مارسها الجميع بامتياز فأنتجت مجلس فتنة .. يصح فيه نبؤءة << ميشال شيحا ابو الدستور اللبناني>> أن المجلس ساحة للحوار الذي مايلبث أن ينتقل الى الشارع عندما يتعطل في الداخل.
ومشكلة حوار الطرشان لن تكون سيدة الحكومة وحدها بل ستطال المجلس النيابي المستولد بقانون الـ 1960 الذي كانت المقدمة الأولى للحرب الأهلية يوم أغلقت << المارونية السياسية >> آذانها غير آبهة بصراخ من اعتبرتهم أقلية مارقة فانفجر الشارع عندما تعطلت لغة الكلام.
لا أعتقد أن أحدأ من اللبنانيين يحب سماع مثل هذه الذكريات المؤلمة لكن واقع البلد بشهادة القاصي والداني هو ذاك. فلا داعي للمكابرة من أي فريق.
لبنان اليوم يقف على مفترق طرق بين اتجاهين: إما تجديد تسوية الدوحة مع أرجحية لمصلحة الأكثرية، وإما العودة الى ما قبل 7 أيار والذهاب نحو صدام لا أحد يعرف كيف سيكون، وكيف ستكون ارتداداته المحلية والاقليمية وخصوصاً أن الوجه الخارجي لنتائج الانتخابات سيكون له تأثيره الكبير، كما كان له تأثيره في مسار الانتخابات نفسها.
ما أودّ قوله:.. الجميع بحاجة لوقفة مع النفس موالين ومعارضين لمراجعة الحساب وتقييم المرحلة الصعبة..قد يكون صعباً الشعور بالهزيمة لكن الأصعب منه قيادة سفينة الانتصار في بحر متلاطم مليء بالتيارات الجارفة والألغام الناسفة.
دعونا لانتخابات على أساس المشروع .. وقد اختار الناس مشروعاً . يعتبره البعض صائباً ، وربما اعتبره غيرهم مهلكاً. أما وقد فازت الأكثرية بالإبقاء على أكثريتها... فلا داعي للاستعجال في طلب الرزق ! وأمامها محطتان لإثبات حسن النوايا رئاسة المجلس وتشكيل الحكومة..إذا استطاعت تخطيهما بسلام فما بعدهما أهون..
وكذلك المعارضة أمامها نفس الامتحان أن تتجاوب وتتعقل لتجاوز القطوع الصعب عبر << العناد الإيجابي>> أو تتابع السير في طريق جلجلة << العناد السلبي >> الذي لا يهدد البلد فحسب بل مستقبل مقاومته وصدقيتها في الداخل والخارج..
الرئيس ميشال سليمان كان نبه الى خطرين يهددان الوطن : << اسرائيل>> وعدم محافظة اللبنانيين على ديمقراطيتهم. وإذا كانت المعارضة تمتلك مفتاح الحفاظ على خط الممانعة والمقاومة في وجه الخطر الاسرائيلي بالإصرار على تحصين ساحة المقاومة وإخراجها من مستنقع السياسة الداخلية، فإن الأكثرية اليوم تمتلك مفتاح الحفاظ على الديمقراطية الحقيقية التي لا تستثني ولا تستقصي وتتمسك بالانفتاح على الآخر وتبديد هواجسه بالفعل لا بالقول ليبقى الوطن سيداً حراً مستقلاً.
وقىَ الله اللبنانيين شرور قادمات الأيام وبصّرهم بعيوب أنفسهم .. وألهمهم صواب القول والفعل ليحافظوا على بلدهم .. الذي بذل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ( باني نهضته المعاصرة ) دمه سخياً من أجل أن يستمر لبنان عنواناً للرأي والرأي الآخر .. وموئلاً للدفاع عن الحريات ونبراساً للمقاومة والممانعة الشاملة لنصرة قضايا الوطن والأمة.

السبت، 6 يونيو 2009

السابع من حزيران : يوم الأوفياء


اللبنانيون عامة وأهل صيدا خاصة أوفياء لما يرونه حقاً .. وسينزلون زرافات ووحداناً ليدلوا باصواتهم لمن وقف معهم في المراحل الصعبة.
هم يعرفون حق المعرفة من الذي يدافع عن حقوقهم ويصون حريتهم ويحفظ كرامتهم و يبلسم جراحاتهم ويخفف من معاناتهم.
الصناديق ستقول كلمتها وستأتي لنا بمجلس لن يكون الفرق فيه شاسعاً بين موالٍ ومعارض . وربما تبدلت المواقع فصار الموالون في موقع المعارضين والعكس يصح. دون أي تأثير على اتجاه البلد فالكل محكوم بالمشاركة في إدارة بلد لم يتعافى من أمراض الطائفية والعشائرية.. حتى الساعة!
ربما تتبدل أو تتنوع صيغة المشاركة شكلاً أو اسماً ..لكن في الأساس الكل ملتزم بهذه الصيغة بطريقة معينة .. إنه لبنان لا مجال فيه للتفرد والاستئثار من أية جهة .. حتى يبقى موجوداً بالفعل.
هي الانتخابات الأضخم تمويلاً وبذخاً في تاريخ لبنان والعالم، بل هي الأوسع تجاوزاً لمعايير الدول المتقدمة .. يتداخل فيها الديني والسياسي والطائفي والمذهبي.ويحشد فيها كل فريق ما استطاع من خيل وركاب ليوم الفصل السابع من حزيران!
وعلى ذمة صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير نشرته عن الانتخابات النيابية اللبنانية، أن مئات ملايين الدولارات تتدفق إلى لبنان من الخارج لشراء أصوات الناخبين، واصفة هذا الاستحقاق الانتخابي بأنه سيكون من بين الأعلى كلفة في العالم.
وبحسب الصحيفة فإنّ السباق سيكون الأكثر حرية والأكثر تنافساً خلال عقود، مع وجود عدد قياسي من المرشحين المشاركين، إلا أنه بالتأكيد سيكون الأكثر فساداً.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أنّ شراء الأصوات يتم بالمال أو بالخدمات، إذ أن المرشحين يدفعون لمنافسيهم مبالغ طائلة للانسحاب، كما أن كلفة التغطية الإخبارية التلفزيونية آخذة في الارتفاع، وأن المال يدفع للآلاف من المغتربين اللبنانيين للقدوم إلى لبنان للتصويت في الدوائر المتنازع عليها.
ولفتت إلى أنّ هذا الواقع، بحسب الناخبين والعديد من مراقبي الانتخابات والمرشحين السابقين والحاليين، يغذي الفكرة الساخرة عن السياسة في لبنان، الذي قد يكون شكلياً، الدولة العربية الأكثر ديمقراطية، ولكنه عملياً محكوم بالطائفية والمحسوبية والولاء للعشيرة.
وأضافت انه على الرغم من المبالغ الهائلة التي تنفق، إلاّ أن الكثير من اللبنانيين يرون أن السباق يكاد يكون غير ذي صلة، موضحة أنّ "التركيبة السياسية الطائفية في لبنان تضمن استمرار حكومة "الوحدة الوطنية" الحالية، التي تمنح الخاسر حق النقض (الفيتو) للحفاظ على السلم الأهلي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "بالنظر لكون كل مقعد في البرلمان اللبناني تحدده الطائفة الدينية، فإن الانتخابات تميل إلى تعزيز التركيبة الاقطاعية في لبنان عبر شبكة من الرجال من أسر معروفة محسوبين على كل طائفة ومنطقة".
ووصفت الصحيفة الانتخابات بالنسبة للفقراء في لبنان بأنها <<"عيد ميلاد" يكثر فيه المال والرعاية الصحية وقسائم الوجبات الغذائية وغيرها من التقديمات.>>
.. هذه هي الصورة التي تراها الصحيفة الأميركية عن اللبنانيين.. ربما تكون صادقة في بعض التفاصيل لكن اللبنانيين فيهم الكثير من أهل الوفاء الذين لا يعيرون للمال السياسي قيمة ..
جُلُّ اللبنانيين يعتبرون نزولهم في السابع من حزيران واجباً وطنياً لا علاقة له بالمملكة العربية السعودية أو إيران. بل يرونه يوماً وطنياً بامتياز. يسارعون فيه للنزول والاقتراع قبل غيرهم دون أن أن يتلقوا اتصالاً يحثهم أو ينتظروا سيارة تقلهم.
اللبناني بطبعه ذكي ومثقف ولا تتجاذبه الأهواء بقدر ما تعود أن يجذبها للمصلحة العامة أو الخاصة.كما يراها وقد تختلف الرؤى او تتعدد لكن تبقى رؤية لبنان بلدأ سيداً حرأ مستقلاً موحدأ متماسكاً شامخ الرأس.هي الصورة الأحب والأجمل في قلوب جميع اللبنانيين.
في السابع من حزيران سيؤكد اللبنانيون والصيداويون وفاءهم بالفعل لا بالقول. وسيثبتون أنهم أوفياء للمبادىء والقيم ولأرواح الشهداء وفي مقدمهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالحفاظ على نهجه الجامع الذي حافظ عليه حتى الاستشهاد متحدياً كافة المصاعب والضغوط. هذا النهج الجامع بين الإعمار والنهوض بالبلد اقتصادياً وسياسياً مع الحفاظ على تميزه وممانعته ومقاومته لكل معتد وغاصب وطامع.
.. السابع من حزيران يوم الأوفياء، فعهدي بكم أوفياء لهذا النهج الجامع الذي ارتضاه الرئيس الشهيد في حياته.. حيث لا تناقض بين التحرير والاستقلال فكلاهما يقود الى النهوض الحقيقي بالوطن ويدفع ويصون عجلة الإعمار.
اقترعوا للمشروع الذي ترون أنفسكم ومستقبل أولادكم فيه. واحرصوا على أن يبقى وجه لبنان مشرقاً ورأسه مرفوعاً على الدوام ...وكل انتخابات ولبنان وأهله بألف خير.

الأربعاء، 27 مايو 2009

<< بروباغندا >> صيداوية

كلما حمي وطيس المعركة الانتخابية في صيدا .. كلما أمعنت الأطراف المتصارعة في استحضار << البروباغندا >> أي الدعاية الانتخابية .. والتي كانت في الماضي تكتفي بصورة الزعيم مذيلة بلقب الـ<< البكاوية >> .. أو توقيع شعارات قديمة جديدة على الجدران بالفحم أو الطلاء الأسود .. يوم كانت الصور متوسطة الحجم مطبوعة بالأبيض و الأسود أو الأزرق أو الأحمر لون واحد فقط .. أو مرسومة باليد..
أما اليوم فقد تغيرت الأمور وصارت الصورة الملونة سيدة الموقف بأحجامها الكبيرة وأنواعها المتعددة << بانوهات >> و << فينيل >> .. بعد صقلها وتزيينها عبر فن << الفوتو شوب >> حتى صارت تحاكي الزعيم بل وأحلى..
لا شك أن أهلنا من كبار الصيداويين المعمرين لو سمعوا بهذا الكلام لظنوا أنها أسماء لعفاريت تغزو المدينة من قبائل الجن ..فصيدا الطيبة تعيش اليوم وسط غابة <<البروباغندا>> الزاحفة من مدخلها الشمالي الى شوارعها التي اتسعت بعد ان دخلها العمران ..
ولعبة الصورة والشعار قديمة – جديدة .. تستحضر اليوم في صيدا من جميع الأطراف بحسب المنطلقات والأهداف .. فالزعيم الشعبي يحرص على التقاط الصور في الأسواق بهندامه المعتاد غير الممعن في السرف .. ودائماً مع العمال والكادحين في زيارات منظمة ومؤقتة تبرز حنانه وعطفه وحدبه على أبناء طبقته .. تارة يشرب الماء بإبريق الزجاج أو يتناول لقمة الفول على مدى الصورة في مطعم شعبي في البلد القديمة أو وسط مدينة العمال الصناعية.فهو ابن خط << نزيه ومعروف وحقاوي>>.
أما الزعيم القادم من وسط دنيا الإدارة والأعمال يجول قليلاً في السوق التجاري يحيي التجار ويصافح بعض المارة المقبلين باستغراب ودهشة لما يرونه من تواجد غير معتاد لزعيمهم ، دون أن يخفوا وجلهم من تعقيد الاجراءات المحيطة لأسباب لا تخفى ..
وإن كانت ساحة اللقاء الأوسع تبقى <<دارة العائلة >> التي احتضنت الترشيح كما احتضن المرشح مسيرة العملاق الراحل .. من مقاعد الدراسة حتى دروب الحياة ومفترقاتها الصعبة .. محافظاً على عهد الصداقة وفياً للمسيرة على قلة الأوفياء في عالم المال والأعمال.<< وما مننسى والسما زرقا >> و << مستمرون >>!
طوابير طويلة من الصيداويين شيباً وشباناً وفتيات لا تعوزهن الفتنة يتقاطرون للسلام بأجمل حلى وأبهى صورة وكانهن في عرس أو قل كلهن العروس .. ويتسابقون لأخذ الصورة مع الأحبة من الزعماء والكبار .. هذه الصورة التي يشوبها ظهور عنصر الأمن المدني المرافق فيخطف منهم حميمية الصورة حتى تبرد حرارة السلام وتضيق مساحة الابتسامة..
صور الشهداء << المستحضرين >> في المناسبات وحدها غائبة هذه الأيام ربما لأنها تبقى أسمى من أن يعبث بها فنانو << الفوتو شوب >> محافظة على شبابها ولحظتها بالأبيض والأسود.. كأنهم من عليائهم يتفرسون في الوجوه المتغيرة والمتلونة بحسب المقام ..و يتعجبون ..
بعد الثامن من حزيران القادم ستنفض الأعراس ويتوقف المصورون عن التقاط الصور وستستقبل جموع المهنئين لأيام معدودة هنا أو هناك ..
.. هكذا هي الحياة مكرٍّ مفرًّ مقبلٍ مدبرٍ # كجلمود صخر حطه السيل من علٍ
سيعود الجائع الى بيته يركض وراء لقمة العيش ويعود المتخم الى مائدته التي لم يفارقها يوماً إلا لعلةٍ ألمت به أو لمشاغل أخرتها عليه..
فيما ينصرف الزعماء متحدين أو منفردين لتدبير شؤون الرعية ووضع بنود الميزانية الجديدة وفيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ... من فنون الضرائب المباشرة وغيرالمباشرة ولا ننسى الـ TVA.
وسيعتذر الزعماء من كلا الفريقين .. من المواطن المسكين دائماً ..وسيغرقونه أسفاً لأن عليه معاناة تقنين قاسٍ مجدداً وتحمل قرارات صعبة ليصمد البلد أمام الأزمات المالية القادمة والمتفاقمة أصلاً فأمامنا دائماً استحقاقات صعبة علينا مواجهتها.
وفيما يستعد الجميع مجدداً لينطلقوا نحو محطة جديدة لا تفصلنا عنها سوى أشهر معدودة ..<< الانتخابات البلدية والاختيارية>> ..
سيتم تنفيذ بعض الوعود << المقدور عليها >> من هنا وهناك لزوم الحفاظ على الصادقين والأوفياء لجولة قادمة ..لكن دوامة الحياة ستعيد ابتلاعنا و همومنا كما ابتلع بحرنا نصف المدينة يوماً ليبقي على << جزيرتنا >> بعيدة عنا قريبة منا ..
وأياً يكن الفائز وأياً يكن مشروعه سنصافحه مهنئين .. ونمد أيدينا مجدداً الى جيوبنا لنحسب كم بقي من مال لآخر الشهر.. لأن أرض اللبن والسمن والعسل الواردة في العهد القديم . لايعيشها المرء إلا من حسابه.
وقبيل انتخابات الـ 2013 بقليل سنسمع كلام واضح من صيداوي عتيق يهمس متربعاً في زاوية النسيان. يوم نسأله عن شعارات أصحاب الصور ما تحقق منها وما لم يتحقق ويجيبنا بنبرة قوية : < .. ياعمي هيدي مجرد بروباغندا صيداوية ..>>

الجمعة، 22 مايو 2009

أراد أن يذكره التاريـخ .. !

مما ورد في كتب التراث أن أعرابيا جاء الى «مكة» - في صدر الاسلام - وتوجه من فوره الى بئر زمزم، وامام حشود العرب المسلمين الاوائل كشف عن عورته و.. بال في البئر! وحينما عنفوه ولاموه وضربوه، سألوه.. «لم فعلت ذلك»؟! فقال.. «أردت أن يذكرني الناس.. » !!
تذكرت هذا الاعرابي «البوّال» وما زلنا نذكره - و فعلته - حتى يومنا هذا ، بعد اكثر من الف واربعمائة عام على حدوثها!! وأنا أقرأ في صحيفة يومية هجوماً لاذعاً وربما موجعاً على شخصيات وجهات محترمة لمجرد وقوفها في المقلب الآخر انسجاماً مع قناعاتها وقيمها وتاريخها الناصع في الدعوة والجهاد وعدم انصياعها لترغيب وترهيب من يرغبون في اختصار الوطن والطائفة وحتى نسمة الهواء في شخصهم الكريم .. لو استطاعوا؟!
وأدركت بالبداهة أن اللجوء الى الافعال والاقوال - غير العقلانية يحدث حين يعجز المرء عن اقناع الآخرين بأهميته وقيمته وفائدته. فلا يجد الا فعلاً ممجوجاً، أو قولاً قبيحاً ليسري خبره بين الناس أياما وشهورا و.. دهورا!!
وأخطر ما في الأمر أن ينحدر بعض الصبية إرضاءً لسادتهم وكبرائهم إلى درك بالغ الانحطاط. عندما يحاولون تزوير الحاضر وتكذيب التاريخ لمجرد اختلاف حاد حاصل في ساحة ، كان الأجدر بأهلها أن يكونوا أكثر انسجاماً مع المبادىء فيوحدوا صفوفهم ويتابعوا النهوض بمشروعهم المميز. بدل التلهي بالإتكاء المرحلي على " الحيط " المايل..والاستيقاظ على صحوة ضمير - ولو جاءت متأخرة عشرات السنين - ليكتشفوا أنفسهم في أس طائفتهم ومذهبهم المهدد بخطر الاستلاب وأسعار السوق.
غداً سيكتب التاريخ وقلمه لا يرحم .. ويسجل ما كتبه ويكتبه أولئك الغلمان زوراً وبهتاناً في حق دعاة وعلماء وشخصيات ممن رفعوا رؤوسنا عالياً .. وما زالوا منذ وقفوا في وجه الاحتلال الاسرائيلي وقاوموا وضحوا وتحملوا الأذى من القريب والبعيد حتى أثمر النصر واندحر الاحتلال. فإذا بأعناق أهل النفاق تشرئب لتحطيم رؤوس فشل أسياد أسيادهم من الاسرائيليين والأمريكان في تمريغها بوحل الهزيمة.
ربما مشكلة أهل الدين والعلم والجهاد أنهم ثبتوا على نصرة الحق لا يخشون في الله لومة لائم.. ثبتوا على الحق الذي يرونه حقاً في الوقت الذي تذبذب في الآخرون حول باطلهم الذي يعرفون في قرارة أنفسهم أنه باطل .. يجمعهم الطبل والدولار .. وحتماً ستفرقهم يوماً العصا.!
ذنب هؤلاء العلماء العاملين المفترى عليهم بمناسبة وبدونها أنهم رفضوا الخوض في الفتنة وشرذمة الناس الى قبائل جاهلية وأحزاب مذهبية متناحرة يذبح بعضهم بعضا ويستحل بعضهم دماء وأعراض اخوانهم.. رفضوا << عرقنة لبنان>> واشعال ساحته بحروب طائفية ومذهبية مشبوهة .. ومدفوعة الأجر سلفاً.
لكن أكثر ما يمكن أن يحزن المرء رؤيته جوقة أهل الباطل بمالها وما كيناتها الاعلامية الضخمة توظف بعض المأجورين ممن مروا يوماً على ساحة عطرة فلم يزيّنهم مرورهم برائحة طيبة ! كالمار ببائع العطر فلا هو جلس ولا هو ابتاع بل راح ليبيع ما لايملكه .. شمة عطر لم يحافظ هو على طيبها في نفسه..!
..فإذا به وأمثاله من << المارة >> يستخدم مروره العابر تأشيرة دخول لنادي << الشتامين المستأجرين >> الذين سرعان ما ينتهي بهم الأمر الى سلة المهملات بعد أن يعود للناس صوابهم ويرشدوا الى مصلحة وطنهم الحقيقية التي تجبرهم على التسليم بمنطق الاعتدال والمشاركة في بناء الوطن وتحمل مسؤولية درء الأخطار عنه..
ولا أجد لأمثال هؤلاء الشتامين من مخرج إلا البراءة في الدنيا قبل الآخرة .. ومن يدري ربما يتبرأ منهم سادتهم وكبراءهم وبقرتهم الحلوب ويلعنونهم قبل صياح الديك في الدنيا .. وأكيد في الآخرة يوم يتبرأ الذين اتبعوا – بضم التاء- من الذين اتبعوا – بفتح التاء – .. فهل يرعوي هؤلاء فيحترموا أمانة القلم التي لوثت بما دبجته نوازع شهواتهم ، حتى سودوا حاضرهم بمداد الكذب والافتراء قبل أن يبدو لهم العذاب .. أو تتقطع بهم الأسباب .. ؟ فإن أبو فلهم ما أرادوا ..سيذكرهم التاريخ ولكن ..في كتابه الأسود.

الأربعاء، 13 مايو 2009

صيدا تستحق أكثر


أجواء الانتخابات في صيدا حامية هذه الأيام وبورصة المرشحين لا تستقر .. والكل يشعر بهمة ونشاط وحيوية معتبراً المعركة حاسمة ، ويسعى لحسم المعركة لصالح مرشحه..
ورغم الحيوية الظاهرة لا تخلو انتخابات من خيبة أمل .. لمرشح فاته قطار التحالفات ، أو ذاق طعم السقوط والفشل ، أو تذوق مرارة الطعن في الظهر في الأوقات الحرجة..
المهم الانتخابات فرصة لتغيير الوجوه.. أو تجديد الثقة و التعبير عن المحبة والولاء. في زمن تغير فيه الناس فلم يبق على الود إلا القليل ،ولا يحفظ العهد إلا الأقل النادر.
جميل أن تتصارع المشاريع والبرامج لمصلحة صيدا وأهلها وجوارها وكل من تفيأ ظلالها أو مر فيها.. فصيدا تستحق الكثير من البرامج " النائمة " في ادراج النسيان أو المغيبة بفعل المناكفات السياسية .. والتجاذبات التقليدية.
وجميل أن ينتشر الوعي الانتخابي بين الشباب على حدة الطبع فيهم ..وظلمهم بتغييبهم عن ممارسة حقهم في الانتخاب قبل بلوغهم الـ 20 عاماً.. ولعل هذا المنع يكون الأخير في عمر الدورات الانتخابية بعد الاعتراف بحقهم بعد الـ 2009 !!
وصيدا التي عرفت عجقة الانتخابات مبكراً من زمن الراحلين رياض الصلح وأنور البزري وصلاح البزري ومعروف سعد ونزيه البزري.
وصيدا التي عرفت الاصطفاف العائلي، والاصطفاف الطبقي، تتعرف اليوم على اصطفاف جديد.؟ تتنوع في الاصطفافات لتجمع أصنافاً لا تجتمع ! ولكنه لبنان الذي يصح فيه ولا يصح أبداً!
لكن وعي الناخب الصيداوي يبقى أكبر من كل اصطفاف والرهان على هذا الوعي كبير فصيدا حقاً تستحق نواباً يمثلونها .. قد يأتون من لون واحد أو من ألوان متعددة لكن الطيف الصيداوي بتلاوينه المختلفة كان في كل مرة يجمع أكثر مما يفرق..
قد يرى البعض أني ممعن في التفاؤل لدرجة لا تجوز..! لكن هذا هو الواقع الصيداوي.
قد تصح مقولة تحديد الأحجام بعد الانتخابات في مناطق كثيرة .. لكن صيدا تبقى عصية على هذا التحديد فقد يخسر البعض مقعداً نيابياً تحت تسوية أو ضغط ما. لكن حجمه السياسي وتأثيره في حياة المدينة وأهلها يبقى كبيراً ..و الى ازدياد.
وقد يربح آخر مقعداً في الندوة البرلمانية ويكون ذلك بداية خسارة صاعقه لمقعده ودوره الفاعل في مدينته.. وربما أفضى به الأمر الى الاعتزال والمكوث بين أربعة جدران.. بعيداً عن المدينة وهمومها.
وقد يستفيق آخر على ضجيج المعركة الانتخابية فيراوده حلم " النمرة الزرقاء" وكرسي في المجلس ، ويشنف أذنه خرير " سعادة النائب " لكنه يبقى عاجزاً عن مواكبة هموم المدينة وتلبية احتياجات ابنائها المتزايدة. فلا يزيده المقعد إن لم ينقصه.. وأن يفشل الاإنسان في الوصول الى سدة المسؤولية أشرف بكثر من فشله وهو في موقع المسؤولية ..
وكما يقول " الصيادنة " : إللي جرّب جرَب .. واللي ما جرَب عقله مخرب..
رحم الله - حيً وميتاً - من قال: ( سيكون لصيدا نائب تستحقه ويستحقها ) . وأقول الرهان كبير على كل صيداوي في وعيه وانفتاحه وضميره ومراقبته لربه وهو يضع صوته في الصندوق.
بعيداً عن تهويل المهولين " الصوت أمانة " نعم لكن لا نتذكرها فقط في موسم ليس الانتخابات. بل في ممارستنا الحياتية واليومية.
مطالبون بممارسة حقنا الانتخابي لإيصال المشروع الذي نؤمن بأنه يصون سيادتنا وحريتنا ويحفظ دماء شهدائنا وفي مقدمهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
مطالبون بحفظ دماء المقاومين الصيداويين واللبنانيين والفلسطينيين والعرب الذين قدموا دماءهم رخيصة لتحرير صيدا والجنوب وكل ذرة محتلة من تراب الوطن.لننعم بالسيادة والاستقلال وتنعم أجيالنا القادمة بالحرية والمستقبل الواعد.. قد يرى البعض في هذا الكلام إشارة لانتخاب هذا الشخص أوذاك ..
ببساطة لا أرى أن الصيداوي بحاجة الى تلميح أو تصريح فهو ذكي ولماح .. وتعنيه كرامته .. عزة وطنه .. مستقبل أبنائه .. كثيراً.
من المعيب أن يخاطب البعض الصيداويين بلغة البيع والشراء او الوعود والامتيازات فمن لا يؤمن بمشروع كيف ينتخب أصحابه ؟.. ومن يؤمن صادقاً بمشروعه لا تثنيه أموال الدنيا ووعودها عن التضحية بكل غال ونفيس لتحقيق فوز من يحمل مشروعه....
لتكن في صيدا انتخابات على أساس المشروع .. وكذلك يجب أن تكون الانتخابات .. وصيدا تستحق اكثر .. وكم من مشروع على مستوى المدينة والوطن ..يستحق أن ننتصر له .. ونسعى لفوزه
وعلى كل صيداوي متمتع بحقوقه الانتخابية النزول يوم 7 حزيران لممارسة حقه في انتخاب من يمثل مشروعه حق التمثيل .. حتى لوكان مشروعه " ورقة بيضاء" ! حتى يكون فعلاً قد أوصل صوته .. وأدى " الأمانة " ..
من فقه الدعوة : الاختلاف لا يفسد المودة

مقولة كثيراً ما نرددها لفظا فقط و لا نعمل بها ." الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ". وكل شيء بالنسبة لنا أصبح ينحصر في حدين لا ثالث لهما: اما خطأ او صواب . و لا تكاد توجد عندنا إمكانية لقبول خيار آخر ، يقوم على الجمع بين عدة آراء صحيحة تتكامل فيما بينها وتنتج خياراً آخر صائباً.

رأي لا حكم إلهي

أعجب مافي الأمر أننا بتنا نُسقط آراءنا في النوازل على الحكم الشرعي فنقول هذا حكم الله..ولا نتواضع فنقول هذا قولنا وما أدانا اليه اجتهادنا في المسألة! نفعل ذلك وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا التأول المذموم على الله .. فقد جاء في صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : ( .. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ ).

ورغم ذلك يتأول كثيرون بعلم وبغير علم على الله .. حتى أصبح أحدنا لا يعجبه أن يرد له رأي ، أو يورد له عليه .. وهذا المرض المزمن ليس بجديد بل تجده شائعاً قديماً وحديثاً ..وإليه يشير ابن تيميه -رحمه الله- بقوله :" ..كثير من النَّاسِ يَنْسُبُونَ ما يقولونه إلى الشَّرْعِ وليس من الشَّرْعِ ، بل يقولون ذلك إما جَهْلاً وَإما غَلَطًا وَإما عَمْدًا وَافْتِرَاءً. " .. فكيف يمكن الحوار مع من يعتقد بأن قوله لا يرد؟! ولا يرد – بكسر الراء –عليه؟! والجهل يعيي، و الخطأ يصحح ، أما العمد والافتراء فهو داء ما بعده داء!

وما ينبغي أن نفهمه ونطبقه عندما تختلف أفهامنا حول أمر أو نازلة هو التالي: إن أفهام الرجال ليست وحياً، والمدارس الفقهية، أو الدعوية ليست هي الإسلام، وإن كانت تنتسب إليه وترجع إليه. فلا نتعصب لرأي ولا نفترق لنازلة. فإن كنا في جماعة فلزوم ما تختاره الجماعة بعد الدرس والتمحيص حتم للمتبع ، ومخالفتها حق لمن شاء لا يقتضي ذماً ولا تجريماً.

تجريم المخالف

بل الأعجب من ذلك .. أن البعض منا أصبح يجرم الاخر لاختلافه معه في الرأي.بحيث أصبح الاختلاف صار جريمه بحد ذاته. بينما هو سنة إلهية ثابتة " ولا يزالون مختلفين " تبعاً لتعدد المدارك والأفهام . ورغم الوحدة الثقافية التي حرص الاسلام على تعميمها من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة . بحيث أصبح للأمة قاعدة مرجعية تؤوي إليها عند الحاجة .. لكنه ترك هامشاً واسعاً للعقل والتفكير والاختلاف.. فلماذا نحجر على أنفسنا ونضيق ما وسّعه الله؟!
قد نختلف حول الأصح والأصلح لزماننا عندما تتعدد الخيارات ولكن لا نفترق ..ولا يظلم بعضنا بعضا ..ولا ينهش بعضنا لحم بعض ..بل يعرف يعرف أحدنا فضل من يخالفه ولا ينكره ويثني عليه وهو يخالفه .. انظروا الى إمام أهل السنة الامام أحمد يقول : "ما عبر الجسر إلينا أفضل من إسحاق، وإن كنا نختلف معه في أشياء؛ فإنه لم يزل الناس يخالف بعضهم بعضا." وهذا من فقه هذا الإمام وتقواه. أما كثير من المختلفين فلو استطاع أحدهم أن يستميل إليه السلطان ليتقوى به على خصومه ومخالفيه لفعل ولا يرقب فيهم إلا ولا ذمة!

هجر المخالف

في مسائل الخلاف لا تأثيم ولا هجران، بل تعدد للأراء يسع الجميع ولا يشتت شملهم ولا ينقض غزلهم. وإن كان اتباع الهوى يهوي بأصحابه .. الناس يختلفون نعم ولكن لا يتدابرون ولا يهجر بعضهم بعضا بل يعذر بعضهم بعضا .. كذلك علمنا الإسلام .. وهذا مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون تأثيماً لكل من اجتهد في المسائل كلها من غير تفريق بين الأصول والفروع، فمن استفرغ وسعه في معرفة مراد الله عز وجل ، وكان أهلاً لذلك، فإنه لا يأثم بهذا الاجتهاد بل هو بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، ولا ينبغي أن يكون ثمة تهاجر بين المؤمنين. كما ذكره ابن تيمية رحمه الله.

اتهام النوايا

وثمة مرض خطير وداء وبيل يجعلنا أكثر تباغضاً وأعمق تباعداً وتدابرا.. أن نتهم المخالف في نواياه والنوايا سر مكنون لا يعلمه إلا الله. فنتقول على المخالف بما لم يقله ، ونتعب أنفسنا فيما لا طائل منه ولا وصول إليه.. وهذا مخالف أشد المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة القائل بالأخذ بالظواهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ). وقد أسرف قوم في هذا الباب حتى هلكوا وأهلكوا ، ونقضوا غزلهم من بعد قوة أنكاثاً.

الاختلاف لا يفسد المودة

في زمن تفرق فيه الناس وكثرت المشارب والموارد ، لا يصح منا أبناء الجيل الإسلامي الرائد أن نختلف فنفترق ونتباعد ، أو نهوي في مدارك البغض ومجانبة الانصاف. ومن الإنصاف المطلوب أن تقبل ما لدى المخالف لك من الحق والصواب، حتى لو كان فاسقاً-بنظرك- أو مبتدعاً، بل حتى لو كان كافراً.فكيف بمن آخى الإسلام والعمل لنهضته بينك وبينه وإن تفرقت الدروب واستصعب الذلول.
حدث الأعمش عن زِرّ بن حُبيش. وكان زر بن حُبيش علوياً؛ يميل إلى علي بن أبي طالب، وكان أبو وائل عثمانياً يميل إلى عثمان، وكانوا أشد شيء تحاباً وتوادّاً في ذات الله عز وجل، وما تكلم أحدهما في الآخر قط حتى ماتا... رحم الله سلفنا الصالح ورزقنا حسن الاتباع.